دعوة النبي صلىاللهعليهوسلم بقوله : اللهم اشدد وطأتك على مضر ، اللهم اجعلها عليهم سنينا كسني يوسف. (وَلَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ) وهو ما ينالهم يوم بدر من القتل والأسر (فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ) أي فما خضعوا لربهم بالتوحيد (وَما يَتَضَرَّعُونَ) (٧٦) أي فما يؤمنون ، أي محناهم بكل محنة من القتل والأسر والجوع الذي هو أشد منهما ، فما رؤي منهم لين مقادة وتوجه إلى الإسلام قط. وأما ما أظهره أبو سفيان فليس من الاستكانة له تعالى والتضرع إليه تعالى في شيء ، وإنما هو نوع خشوع إلى أن يتم غرضه ، فجاء كما قيل : إذا جاء ضغا وإذا شبع طغى ، وأكثرهم مستمرون على ذلك (حَتَّى إِذا فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً ذا عَذابٍ شَدِيدٍ) هو عذاب الآخرة (إِذا هُمْ فِيهِ) أي في ذلك العذاب (مُبْلِسُونَ) (٧٧) أي آيسون من كل خير (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ) وخصّ الله هذه الثلاثة بالذكر ، لأن الاستدلال موقوف عليها (قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ) (٧٨) أي شكرا قليلا غير معتد به تشكرون تلك النعم الجليلة يا أهل مكة. (وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ) أي هو الذي جعلكم في الأرض متناسلين (وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) (٧٩) أي تجمعون يوم القيامة إلى موضع لا حاكم فيه سواه وجعل حشرهم إلى ذلك الموضع حشرا إليه (وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ) وينقل من نعمة الحياة إلى دار الثواب والعقاب (وَلَهُ اخْتِلافُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) أي هو المؤثر في تعاقبهما واختلافهما ازديادا وانتقاصا (أَفَلا تَعْقِلُونَ) (٨٠) أي أتتفكرون فلا تعقلون بالنظر أن الكل مناف أن قدرتنا تعم الممكنات التي من جملتها البعث بعد الموت (بَلْ قالُوا) أي فلم يعقل كفار مكة بل قالوا (مِثْلَ ما قالَ الْأَوَّلُونَ) (٨١) من قوم نوح ، وهود ، وصالح وغيرهم في إنكار البعث مع وضوح الدلائل. (قالُوا) مقلدين للأولين : (أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ) (٨٢) بعد ذلك (لَقَدْ وُعِدْنا نَحْنُ وَآباؤُنا هذا) أي البعث (مِنْ قَبْلُ) أي من قبل مجيء محمد أي لقد وعدنا وآباؤنا بالبعث فلم نر هذا الوعد صدقا ، أي فلما لم يوجد البعث طول الزمان ظنوا أنه يكون في دار الدنيا ثم قالوا : (إِنْ هذا) أي ما هذا الذي تقول يا محمد (إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) (٨٣) أي إلا أكاذيبهم التي كتبوها (قُلْ) يا أشرف الرسل لكفار مكة : (لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيها) من المخلوقات (إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (٨٤) فأخبروني بخالقهم (سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ) لهم بعد أن تجيبوا بما ذكر توبيخا لهم (أَفَلا تَذَكَّرُونَ) (٨٥) أي أتعلمون ذلك فلا تتذكرون أن من قدر على خلق الأرض وما فيها ابتداء قادر على إعادته ثانيا؟ (قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (٨٦) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ) : إفهاما لهم (أَفَلا تَتَّقُونَ) (٨٧) أي أتعلمون ذلك ولا تقون أنفسكم عقابه حيث تكفرون به ، وتنكرون البعث وتثبتون له شريكا في الربوبية (قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ) أي من تحت قدرته ملك كل شيء من إنس وجن وغيرهما. (وَهُوَ يُجِيرُ) أي يغيث غيره إذا شاء (وَلا يُجارُ عَلَيْهِ) أي لا يغاث أحد منه إذا أراد هلاكه (إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (٨٨) ذلك فأجيبوني (سَيَقُولُونَ لِلَّهِ).