وقرأ أبو عمرو «سيقولون الله». في الأخيرتين من غير لام جر ، مع رفع الجلالة جوابا على اللفظ لقوله : (من) لأن المسؤول به مرفوع المحل وهو «من» فجاء جوابه مرفوعا. والباقون «لله» باللام في الأخيرين ، وهو جواب على المعنى ، لأن التقدير في الموضع الأول منهما ، قل من له السموات السبع والعرش ، وفي الثاني : قل من له ملكوت كل شيء ، فـ «لام» الجر مقدرة في السؤال ، فظهرت في الجواب نظرا للمعنى. وأما جواب السؤال الأول لله باللام باتفاق السبعة ، لأنها قد صرح بها في السؤال. (قُلْ) لهم يا أشرف الخلق : (فَأَنَّى تُسْحَرُونَ) (٨٩) أي فمن أين تصرفون عن الرشد إلى الغي ، (بَلْ أَتَيْناهُمْ بِالْحَقِ) الذي هو التوحيد والوعد بالبعث (وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) (٩٠) في ادعاء الشرك وإنكار البعث (مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ وَلَدٍ) لا من الملائكة ولا من غيرهم كما قال الكفار. (وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ) يشاركه في الألوهية كما يقوله الثنوية (إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ) فـ «إذا» بمعنى لو الامتناعية أي لو كان معه آلهة كما يقولون لانفرد كل واحد من الآلهة بخلقه الذي خلقه وامتاز ملكه عن ملك الآخرين ، ولغلب بعضهم على بعض كما هو حال ملوك الدنيا فلم يكن بيده تعالى حينئذ ملكوت كل شيء ، وهو باطل لا يقول به عاقل قط (سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ) (٩١) من إثبات الولد والشريك (عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ).
وقرأ نافع وشعبة وحمزة والكسائي بالرفع خبر مبتدأ محذوف. والباقون بالجر بدل من الجلالة وهذا دليل آخر على انتفاء الشريك بناء على توافقهم في تفرّده تعالى بذلك كأنه قيل : الله عالم الغيب والشهادة وغيره لا يعلمهما ، فغيره ليس بإله (فَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) (٩٢) فإن تفرده تعالى بذلك موجب لتنزهه عن أن يكون له شريك وشبيه (قُلْ رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي ما يُوعَدُونَ (٩٣) رَبِّ فَلا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (٩٤) أي إن كان لا بد من أن تريني ما تعدهم من العذاب الدنيوي المستأصل فلا تجعلني قرينا لهم فيما هم فيه من العذاب وأعيد لفظ الرب مبالغة في التضرع ، و «في» بمعنى مع. (وَإِنَّا عَلى أَنْ نُرِيَكَ ما نَعِدُهُمْ) من العذاب المستأصل (لَقادِرُونَ) (٩٥) ولكنا نؤخره للحكمة الداعية إلى التأخير وهذا يدل على صحة قدرته تعالى لا على خلاف علمه فإنه تعالى أخبر أنه قادر على تعجيل عقوبتهم ، ثم لم يفعل ذلك لحكمة فصحة القدرة غير المعلوم والكافرون ينكرون التهديد بالعذاب ويضحكون به (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ) أي قابل إساءتهم بما أمكن من الإحسان وتكذيبهم بالكلام الجميل وبيان الأدلة على أحسن الوجوه. قيل : هذه الآية محكمة لأن المداراة محثوث عليها ما لم تؤد إلى وهن في الدين أو نقصان في المروءة ، (نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَصِفُونَ) (٩٦) أي بما يصفونك به على خلاف ما أنت عليه (وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ) (٩٧) أي وساوسهم المغرية على خلاف ما أمرت به (وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ) (٩٨) أي من أن يحوموا حولي في حال من الأحوال ، لأنهم إنما يحضرون بقصد سوء (حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (٩٩) لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ) وحتى متعلقة بيصفون