وأكمل التحيّات) جمع تحيّة والأصل : تحيية ، نُقلت كسرة الياء إلى ما قبلها وأُدغم الياء في الياء. واشتقاقها من الحياة ؛ لأنّ المحيّي إذا حيّا صاحبه فقد دعا له بالسلامة من المكاره ، والموت من أشدّها ، فدخل في ضمنها. واختصّت بالاشتقاق منها ؛ لقوّتها. والمراد هنا ما هو أعمّ من ذلك.
(ونبدأ في الترتيب) وهو جمع الأشياء المختلفة وجَعلها بحيث يطلق عليها اسم الواحد ، ويكون لبعضها نسبة إلى بعضٍ بالتقدّم والتأخّر في النسبة العقليّة وإن لم تكن مؤتلفةً ، وهو أعمّ من التأليف من وجه ؛ لأنّه ضمّ الأشياء مؤتلفة ، سواء كانت مرتّبة الوضع أم لا ، وهُما معاً أخصّ من التركيب مطلقاً ؛ لأنّه ضمّ الأشياء مؤتلفةً كانت أم لا ، مرتّبة الوضع أم لا. ومنهم مَنْ جَعَل الترتيب أخصّ مطلقاً من التأليف. ومنهم مَنْ جَعَلهما مترادفين. ومنهم مَنْ جَعَل التركيب والتأليف مترادفين. فهذه ألفاظ ثلاثة موضوعة للدلالة على ضمّ شيء إلى آخر يحسن التنبيه عليها (بالأهمّ فالأهمّ).
أي : نبدأ بالأهمّ أوّلاً ، فإذا فرغنا منه ، ذكرنا الأهمّ بالنسبة إلى الباقي. فبدأ بالعبادات أوّلاً ؛ إذ الأحكام الأُخرويّة أهمّ من الدنيويّة ؛ لأنها المقصودة بالذات من خلق المكلّفين. وأتبعها بالعقود ؛ لتوقّف نظام النوع وقوامه على معرفتها ، ثمّ بالإيقاعات ؛ لأنّها بالنسبة إلى العقود كالفروع ، فإنّ الطلاق وتوابعه فرع النكاح ، والعتق وتوابعه فرع الملك الحاصل بالابتياع ونحوه ، وهكذا القول في نظائرها.
وأُخّرت الأحكام ؛ لأنّها خارجة عن حقيقة مستحقّ التقدّم ، كالفرائض والجنايات ، أو لازمة للعقود والإيقاعات معاً ، كالقضاء والشهادات ، واللازم متأخّر عن الملزوم طبعاً ، فأُخّر وضعاً ليطابق الطبع الوضع.
ثمّ بدأ من العبادات بالصلاة ؛ لأنّها أفضل وأكثر تكرّراً ، وقدّم عليها الطهارة ؛ لكونها شرطاً فيها ، والشرط مقدّم على المشروط ، وكان من حقّها أن تجعل باباً من أبواب الصلاة ، كباقي شروطها ، كما فعل الشهيد رحمهالله في الذكرى ، لكن لكثرة مسائلها وتشعّب أنواعها أفردها عن باقي الشروط في كتابٍ ، وقدّم منها الوضوء ؛ لعموم البلوى به وتكرّره ضرورة في كلّ يوم ، بخلاف الغسل والتيمّم. وقدّم بعده الغسل على التيمّم ؛ لأصالته عليه ، والتيمّم طهارة ضروريّة ، وقدّم على إزالة النجاسات ؛ لأنّها تابعة للطهارة بالمعنى