ووجوب الجزم في النيّة.
وجوابه : أنّ الواجب يمكن تأدّيه بالثلاث ، كما مرّ. والتعيين إنّما يجب حيث يمكن ، وهو مفقود هنا ، مع أنّ الجزم لا يتحقّق في النيّة بفعل الخمس أيضاً ؛ إذ يحتمل في كلّ واحدة أن لا تكون هي فيحصل التردّد. وإن أُريد الجزم بفعل العدد المنوي وإن لم يكن هو الفائت في نفس الأمر من باب مقدّمة الواجب ، فذلك حاصل على تقدير الاكتفاء بالثلاث.
ولو كانت الفائتة من صلاة السفر ، اكتفى باثنتين ثنائيّة مطلقة إطلاقاً رباعيّاً ، ومغرباً ؛ لما تقدّم.
وخالف هنا ابن إدريس مع موافقته فيما تقدّم ؛ محتجّاً بحجّة أبي الصلاح. وإنّما وافق في الأوّل ؛ للنصّ والإجماع ، وادّعى أنّ إلحاق هذه بالحاضر قياس (١).
وأُجيب (٢) بمنع القياس ، بل هو إثبات حكم في صورة لثبوته في أُخرى مساوية لها من كلّ وجه ، وذلك يسمّى دلالة التنبيه ومفهوم الموافقة ، كما في تحريم التأفيف وما ساواه أو زاد عليه.
هذا إن استدلّ بالحديث ، وإن استدلّ بالعقل وهو البراءة الأصليّة ، لم يرد ما ذُكر.
مع أنّ الحديث ليس من قسم المتواتر ، بل الآحاد ، وهو لا يعمل به.
والإجماع الذي ادّعاه على الاولى إن أراد به اتّفاق الكلّ ، فهو ممنوع ؛ لما عرفت من مخالفة أبي الصلاح. وإن كان لعدم اعتباره خلافه ؛ لكونه معلوم الأصل والنسب فلا يقدح في الإجماع ، كان دليلنا هنا أيضاً الإجماع ؛ لأنّ المخالف هنا كذلك ، فلا يقدح فيه. ولو فرض أنّه عيّن ، فلا ريب في الصحّة عند القائلين به ، وعلى المشهور يحتمل العدم ؛ لأنّه تعيين ما لا (٣) يعلمه ولا يظنّه ، بخلاف الترديد ، فإنّه مشتمل في الجملة على ما يظنّ ، وبخلاف الصبح والمغرب ؛ لعدم إمكان الإتيان بالواجب من دونهما. وتردّد الشهيد في الذكرى (٤).
__________________
(١) السرائر ١ : ٢٧٤ و ٢٧٥.
(٢) المجيب هو العلامة الحلّي في مختلف الشيعة ٢ : ٤٥٤ ٤٥٥ ، المسألة ٣١٤.
(٣) في الطبعة الحجريّة : «لم» بدل «لا».
(٤) الذكرى ٢ : ٢١٠ ٢١١.