القصر هو المشهور بين المتأخّرين.
ومستنده ما مرّ ، وأنّ فيه جمعاً بين الأخبار ، فإنّ في بعضها الاكتفاء بقصد أربعة مطلقاً ، فيحمل على مريد الرجوع ليومه ، كما في خبر محمّد بن مسلم (١).
ولإطلاق هذه الأخبار وصحّة بعضها واعتبار سند الباقية ذهب جماعة من علمائنا كابني بابويه والمفيد وسلّار (٢) إلى التخيير في القصر والإتمام لقاصد الأربعة إذا لم يرد الرجوع ليومه ، ووافقهم الشيخ في قصر الصلاة (٣) خاصّة (٤).
ويدفع ما تقدّم من الجمع أنّ في جملة منها أمر أهل مكة بالقصر في خروجهم إلى عرفات (٥) ، وفي بعضها «ويلهم أو ويحهم وأيّ سفر أشدّ منه؟» (٦) مع أنّ الخروج إلى عرفة للحجّ يستلزم عدم العود إلى مكّة ليومه ، فلذلك جمعوا بينها وبين ما تقدّم من اعتبار الثمانية بالتخيير.
وردّه المصنّف (٧) بأنّ في بعضها تصريحاً بتحتّم القصر ، كخبر معاوية بن عمّار الصحيح عن الصادق عليهالسلام الذي فيه «ويلهم» (٨) إلى آخره ، فكان الجمع بحملها على العائد ليومه أولى.
ويشكل بما قلناه من عدم عود أهل عرفة ليؤمهم ، والأخبار صحيحة لا ينبغي اطّراحها. وجاز حينئذٍ حمل النكير بالويل على إنكارهم أصل القصر مع ثبوت شرعيّته ، كما قال في الخبر : «إنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله كان يقصّر إذا خرج إلى عرفة» (٩) أو يقال : إنّ القصر أفضل من التمام ، فكان الإنكار لذلك. وهو متوجّه.
__________________
(١) التهذيب ٤ : ٢٢٤ / ٦٥٨.
(٢) الفقيه ١ : ٢٨٠ و ٢٨٦ ؛ المقنعة : ٣٤٩ ؛ المراسم : ٧٥ ؛ وحكاه عنهم العلامة الحلّي في مختلف الشيعة ٢ : ٥٢٦ ٥٢٧ ، المسألة ٣٩٠.
(٣) أي : دون الصوم.
(٤) النهاية : ١٢٢ و ١٦١ ؛ المبسوط ١ : ١٤١ و ٢٨٤.
(٥) التهذيب ٣ : ٢٠٨ / ٤٩٩ ؛ الإستبصار ١ : ٢٢٤ / ٧٩٥.
(٦) الكافي ٤ : ٥١٩ / ٥ ؛ الفقيه ١ : ٢٨٦ / ١٣٠٢ ؛ التهذيب ٣ : ٢١٠ / ٥٠٧ ، و ٥ : ٤٣٣ / ١٥٠١ ، و ٤٨٧ / ١٧٤٠.
(٧) مختلف الشيعة ٢ : ٥٢٨ ، ذيل المسألة ٣٩٠.
(٨) المصادر في الهامش (٦).
(٩) لم نعثر عليه بحدود المصادر المتوفّرة لدينا ، وانظر : التهذيب ٣ : ٢٠٩ / ٥٠٢.