وحملهما المصنّف في المختلف على أنّهما إذا أقاما عشرة أيّام قصّرا (١). ولا إشعار فيهما بذلك.
وحملهما الشهيد رحمهالله على ما لو أنشأ أحدهما سفراً غير صنعته ، كالتاجر يصير مكارياً أو ملاحاً ، والبدويّ يحجّ ، فإنّهم يقصّرون (٢).
وفي دلالتهما على ذلك نظر ، وفي المصير إلى الحكم باحتمالهما ذلك إشكال ؛ لما قد عرفت من احتمال تنزيلهما على غير ذلك احتمالاً راجحاً أو مساوياً ، ومع ذلك يسقط اعتبارهما في الدلالة على حكمٍ مخالف للأصل الثابت بالدليل ، وهو التمام مع الكثرة.
وقد نزّلهما الشيخ في التهذيب تبعاً للكليني رحمهماالله على أنّ المراد بـ «جدّ السير» جَعْل المنزلين منزلاً ، فيقصّرون في الطريق ، ويتمّون في المنزل (٣).
ووجه مصيرهما إلى ذلك مع بُعْده في الظاهر حديث آخر روياه في ذلك عن الصادق عليهالسلام «أنّ الجمّال والمكاري إذا جدّ بهما السير فليقصّرا فيما بين المنزلين ، ويتمّا في المنزل» ؛ (٤).
وهذا الحمل وإن كان مخالفاً للقاعدة المعروفة من الحكم إلا أنّ الطريق إلى إثباتها بسبب الأحاديث المعتبرة سهل.
ولعلّ موجب الخروج عن حكم الإتمام هنا لزيادة المشقّة بكثرة السير وخروجه عن العادة.
وعلى هذا التنزيل الحكمُ مختصّ بمن ذُكر في الأخبار ، وهو الجمّال والمكاري ؛ وقوفاً فيما خالف الأصل على المتيقّن ، مع احتمال العموم ؛ لوجود المقتضي.
وعلى ما احتملناه من التنزيل يسقط الاستدلال.
وإذا تحقّقت الكثرة لأحد هؤلاء ، استمرّ حكمها ما لم يقم في بلده عشرة أيّام تامّة ، سواء كانت بنيّة الإقامة أم لا ، أو في غير بلده مع النيّة (فإن أقام أحدهم عشرةً) كذلك (قصّر) وإلا أتمّ على المشهور بين الأصحاب.
__________________
(١) مختلف الشيعة ٢ : ٥٣١ ، ذيل البحث الثالث ضمن المسألة ٣٩١.
(٢) الذكرى ٤ : ٣١٧.
(٣) التهذيب ٣ : ٢١٥ ، ذيل الحديث ٥٢٩ ؛ الاستبصار ١ : ٢٣٣ ، ذيل الحديث ٨٣١ ؛ الكافي ٣ : ٤٣٧ ، ذيل الحديث ٢.
(٤) التهذيب ٣ : ٢١٥ ٢١٦ / ٥٣٠ ؛ الاستبصار ١ : ٢٣٣ / ٨٣٢ ؛ وانظر : الكافي ٣ : ٤٣٧ ، ذيل الحديث ٢.