لكن لو تردّد كذلك ثلاثين يوماً ، هل تكون بحكم العشرة المنويّة أم لا؟ الذي صرّح به ابن فهد في المهذّب بل جَعَله المشهور ، وقوّاه المحقّق الشيخ عليّ (١) : الأوّل (٢).
وقطع الشهيد في الدروس باشتراط إقامة عشرة بعد الثلاثين (٣) ، وتبعه عليه في الموجز (٤). ولم أقف لغيرهم من ذلك على كلام نفي ولا إثبات وإن كان الظاهر منهم عدم الاكتفاء بالتردّد ثلاثين.
والصحيح في ذلك ما اختاره الشهيد رحمهالله ؛ لأصالة البقاء على حكم التمام حتى يتحقّق المزيل عنه.
ويُوضّح ذلك ما قد عرفته من أنّ السفر الموجب للتقصير ينقطع بمجرّد الوصول إلى بلد المسافر ، ونيّته إقامةَ عشرة في غير بلده ، وسيأتي أنّه ينقطع أيضاً بمضيّ ثلاثين يوماً متردّداً فيها ، وهذه الثلاثة موضع وفاق.
ويُعلم منها أنّ الثلاثين المتردّد فيها في غير البلد بحكم نيّة الإقامة عشراً فيه ، وقد عرفت أيضاً أنّ كثرة السفر إنّما تنقطع بإقامة عشرة في بلده أو في غير بلده مع النيّة ، وأنّه لا تكفي نيّة الإقامة بدون الإقامة ، بل لا ينقطع حكم الكثرة إلا بتمام العشرة ، وعرفت أيضاً أنّ التردّد ثلاثين يوماً في حكم نيّة إقامة العشرة ، لا في حكم إقامتها ، فيفتقر بعدها إلى إقامة عشرة ، كما يفتقر إليها بعد نيّة الإقامة عشرة ، وهذا واضح.
ووجه الاكتفاء بالثلاثين : صدق اسم العشرة وزيادة ؛ إذ ليس في الخبر التصريح بكونها منويّةً.
وإنّما لم يكتف بالعشرة المتردّدة لا غير للإجماع على عدم اعتبار الشارع لها ، بل إنّما عُلم منه اعتبار الثلاثين مع التردّد ، فيختصّ الحكم بها. ولأنّ مضيّ الثلاثين إذا كان شرطاً في قطع حكم السفر وهو أضعف من حكم كثرة السفر ؛ لما قد عرفته فلأن يكون مجموع الثلاثين شرطاً في قطع الكثرة ولا يكفي ما دونها أولى.
وجوابه يُعلم ممّا قرّرناه ، فإن مضيّ الثلاثين كذلك بحكم نيّة الإقامة عشراً في غير
__________________
(١) جامع المقاصد ٢ : ٥١٣.
(٢) المهذّب البارع ١ : ٤٨٦.
(٣) الدروس ١ : ٢١٢.
(٤) الموجز الحاوي (ضمن الرسائل العشر) : ١٧٣.