ويمكن توجيه الدليل على التفصيل بأن نقول : لو فرض أنّ هذا الصائم سافر بعد الزوال ، فلا يخلو إمّا أن يجب عليه الإفطار أو إتمام الصوم ، لا سبيل إلى الأوّل ؛ للأخبار الصحيحة الشاملة بإطلاقها أو عمومها هذا الفرد ، الدالّة على وجوب المضيّ على الصوم :
كصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليهالسلام أنّه سُئل عن الرجل يخرج من بيته وهو يريد السفر وهو صائم ، قال : «إن خرج قبل أن ينتصف النهار فليفطر ، وإن خرج بعد الزوال فليتمّ يومه» ؛ (١).
وصحيحة محمّد بن مسلم عنه عليهالسلام «إذا سافر الرجل في شهر رمضان فخرج بعد نصف النهار ، عليه صيام ذلك اليوم» (٢).
وسيأتي إن شاء الله تمام البحث في ذلك ، فقد تعيّن وجوب إتمام الصوم.
وحينئذٍ فلا يخلو إمّا أن يحكم بانقطاع حكم الإقامة بالرجوع عنها بعد الزوال وقبل الخروج أولا ، لا سبيل إلى الأوّل ؛ لاستلزامه وقوع الصوم الواجب سفراً بغير نيّة الإقامة وصحّته ، وهو غير جائز إجماعاً إلا ما استثني من الصوم المنذور على وجه وما ماثَلَه ، وليس هذا منه ، فثبت الأخير ، وهو : عدم انقطاع الإقامة بالرجوع عنها بعد الزوال ، سواء سافر حينئذٍ بالفعل أم لم يسافر ؛ إذ لا مدخل للسفر في صحّة الصوم وتحقّق الإقامة ، بل حقّه أن يحقّق عدمها ، وقد عرفت عدم تأثيره فيها ، فإذا لم يسافر ، بقي على التمام إلى أن يخرج إلى المسافة ، وهو المطلوب.
فإن قيل : يلزم من هذا الدليل انقطاع السفر بمجرّد الشروع في الصوم وإن لم تزل الشمس ؛ لأنّ السفر كما لا يتصوّر فيه صوم واجب كاملاً عدا ما استثني لا يتصوّر فيه الشروع فيه ، فإذا شرع فيه ، لا يخلو إمّا أن يكون صحيحاً أو باطلاً ، ومن الأوّل يلزم انقطاع السفر ، ومن الثاني عدم انقطاعه بالخروج أو الرجوع عن الإقامة بعد الزوال ؛ لأنّ ذلك لا يصلح مصحّحاً لما حُكم ببطلانه ، بل مؤكّداً له ، وحيث ثبت القطع بذلك ثبت بمطلق الشروع.
قلنا : قد صار هذا القول قويّاً متيناً لتحقّق الأثر الموجب لبطلان حكم السفر ، لكن لمّا
__________________
(١) الكافي ٤ : ١٣١ / ١ ؛ الفقيه ٢ : ٩٢ / ٤١٢ ؛ التهذيب ٤ : ٢٢٨ ٢٢٩ / ٦٧١ ؛ الإستبصار ٢ : ٩٩ / ٣٢١.
(٢) الكافي ٤ : ١٣١ / ٤ ؛ الفقيه ٢ : ٩٢ / ٤١٣ ؛ التهذيب ٤ : ٢٢٩ / ٦٧٢ ؛ الاستبصار ٢ : ٩٩ / ٣٢٢.