ومقتضى كلام الدروس : القصر فيه كالعود ؛ لأنّه قال : وإن نوى العود ولم ينو الإقامة عشراً ، فوجهان ، أقربهما : القصر ، إلا في الذهاب (١). ولا شكّ أنّ المقام في المقصد يوماً وأيّاماً لا يسمّى ذهاباً. ووجه القصر فيه غير واضح ، بل هو في حكم الذهاب كيف كان ؛ لأنّه في الذهاب إمّا أن يكون مسافراً سفراً يقصّر في مثله ، فيجب القصر في المقصد أيضاً استصحاباً لما كان ، ولعدم الخروج عن الحكم السابق بمجرّد المقام من دون أن يكون عشراً منويّة. وإن كان فرضه في الذهاب التمام ، كما اعترف به ، فأولى أن يتمّ في المقام في المقصد ؛ لأنّه أبعد عن اسم المسافر والحال أنّه لم يتجدّد بعد الوصول ما يوجب القصر.
والتحقيق في هذه المسألة أنّ القولين أعني قول المصنّف والشهيد لا يأتيان في جميع الموارد ، بل كلّ منهما يصحّ في مادّة دون اخرى.
وبيان ذلك : أنّ هذه المسألة ليست من المسائل الأُصول المنصوصة على الخصوص ليتبع فيها حكم معيّن ، وإنّما هي فرع على مسألة ناوي الإقامة عشرة في غير بلده ، ومن ثَمَّ اختلفت فيها الأنظار ، واضطرب فيها التفريع ، وأوّل مَنْ ذكرها الشيخ في المبسوط (٢) بلفظ وارد على جزئيّة معيّنة سالمة من كثير ممّا يرد على ما أطلقه المتأخّرون.
ونحن قد أفردنا لتحقيقها وذكر أقسامها وما يتمّ فيه قول كلّ واحد من الأصحاب رسالةً (٣) مفردة مَنْ أراد الاطّلاع على الحال فليقف عليها ، غير أنّا نقول هنا : خروج ناوي الإقامة عشرة (٤) إلى ما دون المسافة لا يخلو إمّا أن يكون بعد الصلاة تماماً أو ما في حكمها وهو موضع النزاع هنا وإن كان الأصحاب قد أطلقوا الخروج وإمّا أن يكون قبله ، وعلى الثاني يرجع إلى التقصير بمجرّد العزم على الخروج وإن كان في نفسه تجديد إقامة العشرة بعد الرجوع ، وقد تقدّم الوجه في ذلك.
وعلى الأوّل لا يخلو إمّا أن يكون موضع إقامته على رأس المسافة أو قبله ، وعلى الأوّل إمّا أن يكون في نهاية المقصد أو قبله ، وعلى التقديرين إمّا أن يكون الموضع الذي
__________________
(١) الدروس ١ : ٢١٤.
(٢) انظر : المبسوط ١ : ١٣٧.
(٣) وهي رسالة «نتائج الأفكار في حكم المقيم في الأسفار». راجع رسائل الشهيد الثاني ١ : ٢٩٣ وما بعدها.
(٤) في «م» : «عشراً» بدل «عشرة».