ثالثاً : أراد أن يثبت السخاء في بني أُميّة ليقلب الأُمّة نحوهم ومن أجل التعمية على السامعين أدخل ثقيفاً في هذه المنظومة الثلاثيّة. مع أنّ التاريخ لا يحدّثنا عن سخاء آبائه الأمويّين ولم يصفهم واصف بهذه الخصلة بل لم يعرفوا بها في الجاهليّة والإسلام ، وكان جدّهم الأعلى عبد شمس يعيش في ظلّ أخيه هاشم ، وكان اسمه عمرو العلا ، ولكثرة إطعامه الناس ونحره الذبائح من إبل وغنم وماشية دعي هاشماً اشتقاقاً من الهشم لأنّ معناه كسر العظم ، وكان أُميّة قد سلخ عشرين عاماً من عمره في بيت عبدالمطّلب وكان أبو سفيان غاية في البخل حتّى كان يمسك عن النفقة على عياله وكانت هند تسرق قوتها منه ، فلا أدري إذن من أين هبط عليهم هذا السخاء الذي فخر به معاوية ؟!
وما من شكّ في استجماع عليّ الأكبر للصفات الكماليّة ولو لم يستشهد لكان هو الإمام بعد أبيه ، لاجتماع الفضائل فيه ، وكانت ذاته المودعة فيه من صنع الله سبحانه ، ولا بدع في فضل الله ولا غرابة في أن يعري وجوداً قدسيّاً من كلّ عيب ونقص خلقيّ ليكون مثالاً يحتذى للأخلاق الإسلاميّة.
جاء في الزيارة الرجبيّة الخاصّة : « وكما منّ عليك من قبل وجعلك من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً .. (١).
والتطهير شاهد على العصمة والفقه الذاتيّة الواجب توفرهما في الإمام ولم يكن عليّ الأكبر خارج هذه الدائرة ، ولقد تحلّى بحلية الشرف والمجد ونبل الشأن وعظمة المنزلة والخصال الحميدة وعرف بين العرب بالسيادة وعزّة النفس وسموّا الذات فكان يحيا بينهم بالكمال والوقار والعظمة.
ولم يقتصر عليّ الأكبر في شبهه بالنبيّ أن يحكي صورته وجماله وخطوه
__________________
(١) الشهيد الأوّل ، المزار ، ص ١٤٦.