ثمّ طلب الإذن بالقتال ، فهجم على القوم ومعه زهير بن القين فقاتلا قتالاً شديداً ، فكان إذا شدّ أحدهما فاستلحم شدّ الآخر حتّى يخلّصه ، ففعلا ذلك ساعة فشدّت الرجال على الحرّ فقتلته (١).
فجاء إليه الحسين (عليه السّلام) ووقف عليه قائلاً :
«أنت كما سمّتك اُمّك ، حرّ في الدنيا وسعيد في الآخرة».
كلمة موجزة أبّن (عليه السّلام) بها الحرّ ، فكانت المصداق الواقعي للحرية التي تحرّر بها الحرّ من القيود التي تكبّل إرادة الإنسان الخيّرة. قيود المادة بمفهومها وسلطانها المهيمن على النفوس الضعيفة التي سرعان ما تخضع وتركع أمام جبروتها ومغرياتها. وما أكثر هذه النفوس في كلّ عصر وزمان ، إلاّ أنّ هناك بعض النفوس استطاعت أن تُتحرّر من هذه القيود ، وتنطلق من رواسبها وآثارها فلم تؤثّر فيها مغريات الحياة ولا غرور المنصب ، ولا طغيان الجاه والزعامة ولا حبّ المال. من أمثال : الحرّ بن يزيد الرياحي ؛ فإنّه ترك المنصب والوظيفة والزعامة ؛ لأنّها تقيّد نفسه الحرّة التي أبت أن
__________________
(١) تاريخ الطبري ج ٤ ص ٣٢٥.