فاغترف منه بيده ليشرب فتذكّر عطش الحسين (عليه السّلام) وأطفاله وعياله وصراخهم من شدّة الظمأ ، فرمى الماء من يده ؛ وفاءً ومواساةً لآل البيت (عليهم السّلام) ، وقال :
يا نفسُ من بعدِ الحسينِ هوني |
|
وبعدهُ لا كنتِ أن تكوني |
|
هذا الحسينُ واردُ المنونِ |
|
وتشربينَ باردَ المعينِ |
|
تاللهِ ما هذا فِعالُ ديني
وهكذا يجب أن تكون المواساة الحقيقية في الأخوّة الصادقة ، حيث إنّ العباس (عليه السّلام) أبى أن يرتوي هو وحده والحسين (عليه السّلام) وأهل بيته يتلظّون عطشاً. فهذا هو العطف الأخوي الصادق ، والوفاء النبيل في أشدّ الظروف وأقساها.
ولمّا رمى الماء من يده ملأ القربة وركب جواده ، وكرّ راجعاً نحو مخيّم آل البيت (عليهم السّلام) ؛ ليروي عطشهم ، فتكاثر عليه الأعداء من كلّ حدب وصوب ، وسدّوا عليه الطريق حتّى لا يوصل الماء إلى الحسين وآله (عليهم السّلام) ، فكشفهم عن الطريق قائلاً :
لا أرهبُ الموتَ إذا الموتُ رقا |
|
حتى أُوارى في المصاليتِ لقى (٢) |
وبينما هو يُقاتل كمن له حكيم بن الطفيل من
__________________
(١) مقتل الحسين ـ عبد الرزاق المقرّم ص ٣٣٤ و ٣٣٦.
(٢) انظر تفصيل ذلك في الوثيقة رقم (١٢٢) من هذا الكتاب.