واضعف قواه ، ولم يتمالك الوقوف من كثرة الجراحات ، وشدّة النزف. بقي (عليه السّلام) جالساً يرعى أطفاله وحرمه بقلبه وبصره ، وقد أحاط به الأعداء من كلّ صوب ، وأحدقوا به من كلّ جانب وهو مع هذا لا يستطيع النهوض. فنظر عبد الله بن الحسن (وهو غلام) إلى عمّه الحسين (عليه السّلام) بهذا الحال فلم يتمالك دون أن أقبل مسرعاً إلى عمّه ، وأرادت زينب (عليها السّلام) حبسه فأفلت منها ، وجاء فوقف عند عمّه ، وإذا ببحر بن كعب يريد أن يضرب الحسين (عليه السّلام) بالسيف.
الغلام صاح به : يابن الخبيثة! أتضرب عمّي؟! فأجابه ابن كعب بضربة ، فاتّقاها الغلام بيده فأطنّها إلى الجلد ، فإذا هي معلّقة.
فصاح الغلام : يا عمّاه! ويا اُمّاه! ووقع في حجر عمّه الحسين (عليه السّلام) ، فضمّه إلى صدره قائلاً :
«يابن أخي ، اصبر على ما نزل بك ، واحتسب في ذلك الخير ؛ فإنّ الله يلحقك بآبائك الصالحين ، برسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، وعلي بن أبي طالب ، وحمزة ، وجعفر ، والحسن بن علي ، صلّى الله عليهم أجمعين» (١).
__________________
(١) تاريخ الطبري ص ٤٥١ ، مقتل الحسين ـ عبد الرزاق المقرّم ص ٣٥٤.