ولهذا كله ينصب الاهتمام على دراسة الأسماء أي دلالة المصطلحات لتعبيرها عن الوقائع أو فهم الوقائع ـ المعنى ، التصور الذهني ـ.
ولم يعن العرب والمسلمون كثيرا بدلالة القضية الجملة بل بمعناها ، ووضعوا معايير مختلفة للحكم على معناها من حيث السند والصدق والكذب ، النظر والتجربة الخ ... لكن غايتهم انصبت على دلالة الأسماء انصبابا هاما وانقسموا فريقين : فريق أعطى الأولوية للدلالة ، علاقة الشكل بالمضمون. وفريق قدّم أولوية المعنى على الدلالة.
بينما رأى فتغنشتين حديثا بأنّ الأسماء ذات دلالة فحسب وليس لها معنى ، وأنّ القضايا ذات معنى فحسب وليس لها دلالة (١). وهذا الاتجاه يقارب مفهوم أهل الاصطلاح عند العرب والمسلمين.
بل اعتبر الغزالي أن الواقعة والمعنى والدلالة مترابطة ترابطا تاما ، إذ قال إنّ للأشياء وجودا في الأعيان والأذهان واللسان (٢).
لكن تطور العلوم العصري جعل معنى الاسم يؤخذ على السياقات التي تستعمل فيها الأسماء. وهذا التوجه يخدم تشعب المصطلحات وغزارتها.
بيد أنّ المصطلح العربي والاسلامي ارتكز على وظيفتين مثله مثل وظيفة اللغة عامة : وظيفة معرفية ووظيفة انفعالية. في حين ضؤل دور الوظيفة الانفعالية في المصطلح العصري الغربي لضمور الآداب والفلسفة أمام العلوم والتفنين. ولم تعد المعرفة العصرية تعنى بتبديات النفس وتخيلات الشعور عنايتها بالوقائع المجربة المصغرة والافتتان بها.
ولم يحدث الأمر في اللغة العربية لعدم انسلاك المجتمعات العربية في سلك العلوم والتفنين وانخراطهم كليا في التكنولوجيا وهضم علومها.
ولا عجب إن جاء الكشاف يلبّي الوظيفة المعرفية للغة ، ولكن مصطلحاته الملبّية للوظيفة الانفعالية تطفو وتغزر. ولا سيما أن الدلالات الفلسفية والصوفية الدّالة على التّبديات والتمظهرات الفكرية والنفسية تكثر ، وتغني القارئ بحقل واسع من
__________________
(١) Picher. G. The Philosophy of Wittgenstein, Inc., Englewood, Cliffs, N. J., Prentice ـ Hall,١٩٦٤,p. ٥٤.
(٢) ولا سيما في كتابيه : معيار العلم والمستصفى من علم أصول الفقه.