تكملة الحاشية الجلالية.
واعلم أنهم قد يذكرون وجه الحاجة إلى العلم ، ولا شكّ أنه هاهنا بعينه بيان الغرض منه ، وقد يذكرون وجه شرف العلم ، ويقولون شرف الصناعة إما بشرف موضوعها ، مثل الصياغة فإنها أشرف من الدباغة ، لأن موضوع الصياغة الذهب والفضة وهما أشرف من موضوع الدباغة التي هي الجلد (١) ، وإما بشرف غرضها ، مثل صناعة الطب فإنها أشرف من صناعة الكناسة ، لأن غرض الطب إفادة الصحة وغرض الكناسة تنظيف المستراح ، وإما بشدّة الحاجة إليها كالفقه ، فإن الحاجة إليه أشدّ من الحاجة إلى الطبّ ، إذ ما من واقعة في الكون إلاّ وهي مفتقرة إلى الفقه ، إذ به انتظام صلاح الدنيا والدين ، بخلاف الطب ، فإنه يحتاج إليه بعض الناس في بعض الأوقات. والمراد بذلك بيان مرتبة العلم على ما يفهم مما سبق ، ويؤيده ما قال السيّد السّند في شرح المواقف ، وأما مرتبة علم الكلام أي شرفه فقد عرفت أن موضوعه أعمّ الأمور وأعلاها الخ.
العلوم العربية
في شرح المفتاح : اعلم أنّ علم العربية المسمّى بعلم الأدب علم يحترز به عن الخلل في كلام العرب لفظا أو كتابة ، وينقسم على ما صرّحوا به إلى اثني عشر قسما ، منها أصول هي العمدة في ذلك الاحتراز ، ومنها فروع.
أما الأصول فالبحث فيها إما عن المفردات من حيث جواهرها وموادّها فعلم اللغة ، أو من حيث صورها وهيئاتها فعلم الصرف ، أو من حيث انتساب بعضها إلى بعض بالأصلية والفرعية فعلم الاشتقاق ، وإمّا عن المركّبات على الإطلاق ، فإمّا باعتبار هيئاتها التركيبية وتأديتها لمعانيها الأصلية فعلم النحو ، وإمّا باعتبار إفادتها لمعان زائدة على أصل المعنى فعلم المعاني ، أو باعتبار كيفية تلك الفائدة في مراتب الوضوح فعلم البيان ، وإمّا عن المركّبات الموزونة ، فإمّا من حيث وزنها فعلم العروض ، أو من حيث أواخر أبياتها فعلم القافية.
وأمّا الفروع فالبحث فيها إمّا أن يتعلّق بنقوش الكتابة فعلم الخط ، أو يختصّ بالمنظوم فعلم عروض الشعراء ، أو بالمنثور فعلم إنشاء النثر من الرسائل ، أو من الخطب ، أو لا يختص بشيء منهما فعلم المحاضرات ومنه التواريخ ؛ وأمّا البديع فقد جعلوه ذيلا لعلمي البلاغة لا قسما برأسه.
وفي إرشاد القاصد (٢) للشيخ شمس الدين الاكفاني السنجاري (٣) : الأدب وهو علم يتعرّف منه التفاهم عمّا في الضمائر بأدلة الألفاظ والكتابة ، وموضوعه اللفظ والخط من جهة دلالتهما على
__________________
(١) الذي هو (ع) ، الذي هو جلد الميتة (م).
(٢) ارشاد القاصد إلى اسنى المقاصد لشمس الدين أبي عبد الله محمد بن ابراهيم بن ساعد الأنصاري الأكفاني السنجاري المعروف بابن الأكفاني (ـ ٧٤٩ هـ / ١٣٤٨ م). طبع في كلكوتا ، د. ت مع كتاب حدود النحو لعبد الله بن احمد الفاكهي. معجم المطبوعات العربية ، ٤٦٤.
(٣) شمس الدين الأكفاني السنجاري : هو محمد بن ابراهيم بن ساعد الأنصاري السنجاري ، المعروف بابن الأكفاني ، ابو عبد الله. ولد في سنجار وتوفي بالقاهرة بعد العام ٧٤٩ هـ / ١٣٤٨ م. طبيب ، باحث ، عالم بالحكمة والرياضيات. له الكثير من التصانيف. الأعلام ٥ / ٢٩٩ ، الدرر الكامنة ٣ / ٢٧٩ ، البدر الطالع ٢ / ٧٩.