المعاني ، ومنفعته إظهار ما في نفس الإنسان من المقاصد وإيصاله إلى شخص آخر من النوع الإنساني ، حاضرا كان أو غائبا ، وهو حلية اللسان والبنان ، وبه تميّز ظاهر الإنسان على سائر أنواع الحيوان. وإنما ابتدأت به لأنه أوّل أدوات الكمال. ولذلك من عري عنه لم يتم بغيره من الكمالات الإنسانية.
وتنحصر مقاصده في عشرة علوم وهي : علم اللغة وعلم التصريف وعلم المعاني وعلم البيان وعلم البديع وعلم العروض وعلم القوافي وعلم النحو وعلم قوانين الكتابة وعلم قوانين القراءة ، وذلك لأن نظره إمّا في اللفظ أو الخط ، والأول فإمّا في اللفظ المفرد أو المركب ، أو ما يعمهما.
وأمّا نظره في المفرد فاعتماده إمّا على السماع وهو اللغة أو على الحجة وهو التصريف ، وأمّا نظره في المركّب فإما مطلقا أن مختصّا بوزن ، والأول إن تعلّق بخواص تراكيب الكلام وأحكامه الإسنادية فعلم المعاني ، وإلاّ فعلم البيان ، والمختص بالوزن فنظره إمّا في الصورة أو في المادة ، الثاني علم البديع ، والأول إن كان بمجرد الوزن فهو علم العروض ، وإلاّ فعلم القوافي ؛ وما يعمّ المفرد والمركب فهو علم النحو ، والثاني فإن تعلّق بصور الحروف فهو علم قوانين الكتابة ، وإن تعلّق بالعلامات فعلم قوانين القراءة. وهذه العلوم لا تختصّ بالعربية بل توجد في سائر لغات الأمم الفاضلة من اليونان وغيرهم.
واعلم أنّ هذه العلوم في العربية لم تؤخذ عن العرب قاطبة بل عن الفصحاء البلغاء منهم ، وهم الذين لم يخالطوا غيرهم ، كهذيل (١) وكنانة (٢) وبعض تميم (٣) وقيس عيلان (٤) ومن يضاهيهم من عرب الحجاز (٥) وأوساط نجد (٦) ؛ فأما الذين صابوا (٧) العجم في الأطراف فلم تعتبر لغاتهم
__________________
(١) هذيل بن مدركة بن الياس بن مضر بن عدنان. جد جاهلي ، بنوه قبيلة كبيرة ، وكان أكثر سكان وادي نخلة المجاور لمكة منهم ، ولهم منازل بين مكة والمدينة ومنهم في جبال السراة ، وكانوا أهل عدد وعدة ومنعة واشتهر منهم كثيرون في الجاهلية والإسلام. وفيهم شعراء ومشاهير. وقد نشر ديوان للعديد من شعرائهم. الأعلام ٨ / ٨٠ ، معجم البلدان ٨ / ١٦٧ ـ ١٦٨ ، جمهرة الانساب ١٨٥ ـ ١٨٧ ، تاريخ اليعقوبي ١ / ٢١٢ ، معجم قبائل العرب ١٢١٣ ، قلب جزيرة العرب ١٢٠٢.
(٢) كنانة بن بكر بن عوف بن عذرة ، من كلب ، من قضاعة ، جد جاهلي ، يرتقي نسبه للقبائل العربية القحطانية. وبنوه قبيلة ضخمة يقال لها كنانة عذرة ، وسكنوا أعالي الحجاز بالقرب من تبوك وجوارها. وانحدرت منها قبائل كثيرة منها : بنو عدي ، بنو جناب ، وغيرها كثير. كما كانت لهم صلات قوية بقريش وبالأوس والخزرج. خفاجة محمد عبد المنعم ، قصة الأدب في الحجاز ٩٠ ، جمهرة الانساب ٤٢٥ ـ ٤٢٧ ، معجم قبائل العرب ٩٩٦.
(٣) تميم بن قرّ بن أدّ بن طابخة بن إلياس بن مضر. جد جاهلي قديم بنوه بطون كثيرة جدا. قال عنهم ابن حزم : وهم قاعدة من أكبر قواعد العرب كانت منازلهم بأرض نجد والبصرة واليمامة وامتدت إلى قرب الكوفة. وقد تفرقوا في الحواضر والبوادي. واخبارهم كثيرة ، وفيهم شعراء ومشاهير ، وقد أدركوا الاسلام ، ولهم مواقف مشهودة.
الاعلام ٢ / ٨٧ ـ ٨٨ ، تاريخ اليعقوبي ١ / ٢١٢ ، جمهرة الانساب ١٩٦ ـ ٢٢١ ، معجم قبائل العرب ١٢٦ ـ ١٣٣ ، دائرة المعارف الاسلامية ٥ / ٤٧٣ ـ ٤٧٨.
(٤) قيس عيلان بن مضر بن نزار ، من عدنان ، جد جاهلي ينتسب للعرب الإسماعيلية. انحدرت منه قبائل كثيرة منها : هوازن ، سليم ، غطفان ، عدوان ، باهلة وغيرهم. وتروي كتب السير والتاريخ أن الجد الأعلى كان على دين اسماعيل بن ابراهيم عليهماالسلام وقد امتدحهم النبي (ص) في بعض أحاديثه ، وكانت سكناهم بالطائف وجوارها من بلاد الحجاز ، البكري ، معجم ما استعجم ١ / ٦٤ ـ ٦٦ ، ٧٦ ـ ٧٧ ، ابن خلدون ، العبر ٢ / ٣٠٠ ، ٣٠٥ ، ٣١٥ ، اليعقوبي ١ / ٢١٢ ، جمهرة الانساب ٢٣٢ ، ٤٣٧ ، معجم قبائل العرب ٩٧٢ ، تاريخ الاسلام ١ / ١٣.
(٥) الحجاز بلاد واسعة تقع شمالي اليمن وشرقي تهامة. وتتكون من عدة أودية ، وتتخللها سلسلة جبال السراة الممتدة من الشام إلى نجران في اليمن. وقد وصفه جوستاف لوبون بأنه اقليم جبلي رملي في الصقع الأوسط من المنطقة المعتدلة الشمالية تجاه البحر الأحمر وفيه المدينتان المقدستان : مكة والمدينة. وقد سمّي حجازا لأنه يحتجز بين تهامه ونجد. تاريخ معجم البلدان ٣ / ٢١٩ ، تاريخ الإسلام السياسي والديني والاجتماعي ١ / ٤ ، معجم ما استعجم ١ / ١ ـ ٩٠ ، حضارة العرب ١ / ١١ ، المسالك والممالك ١٢ ، قصة الأدب في الحجاز ٢٤.
(٦) نجد وهو اقليم يمتد بين اليمن جنوبا وبادية السماوة شمالا والعروض وأطراف العراق ، وسمي نجدا لارتفاع أرضه. تاريخ الإسلام ١ / ٤.
(٧) صاقبوا (م).