أهل الجزيرة (١) وفارس (٢) ، ثم أتى ذوو العقول السليمة والأذهان المستقيمة ورتّبوا أصولها وهذّبوا فصولها حتى تقررت على غاية لا يمكن المزيد عليها ، انتهى.
علم الصرف :
ويسمّى بعلم التصريف أيضا ، وهو علم بأصول تعرف بها أحوال أبنية الكلم التي ليست بإعراب ولا بناء ، هكذا قال ابن الحاجب (٣). فقوله علم بمنزلة الجنس ، لأنه شامل للعلوم كلها ، وقوله تعرف بها أحوال أبنية الكلم يخرج الجميع سوى النحو ، وقوله ليست بإعراب ولا بناء يخرج النحو.
وفائدة اختيار «تعرف» على «تعلم» تذكر في تعريف علم المعاني. ثم المراد من بناء الكلمة وكذا من صيغتها ووزنها هيئتها التي يمكن أن يشاركها فيها غيرها ، وهي عدد حروفها المرتّبة ، وحركاتها المعيّنة ، وسكونها مع اعتبار حروفها الزائدة والأصلية ، كلّ في موضعه ؛ فرجل مثلا على هيئة وصفة يشاركه فيها عضد ، وهي كونه على ثلاثة أحرف ، أولها مفتوح ، وثانيها مضموم ، وأما الحرف الأخير فلا تعتبر حركاته وسكونه في البناء ، فرجل ورجلا ورجل على بناء واحد ، وكذا جمل على بناء ضرب ، لأن الحرف الأخير متحرّك بحركة الإعراب وسكونه وحركة البناء وسكونه. وإنما قلنا يمكن أن يشاركها لأنه قد لا يشاركها في الوجود كالحبك بكسر الحاء وضم الباء ، فإنه لم يأت له نظير ، وإنما قلنا حروفها المرتبة لأنه إذا تغيّر النظم والترتيب تغيّر الوزن ، كما تقول يئس على وزن فعل وأيس على وزن عفل ، وإنما قلنا مع اعتبار الحروف الزائدة والاصلية لانه يقال ان كرّم مثلا على وزن فعّل لا على وزن فعلل [أو أفعل] (٤) أو فاعل ، مع توافق الجميع في الحركات المعيّنة والسكون ،
__________________
(١) الجزيرة هي جزيرة أقور الواقعة بين دجلة والفرات ، وتشمل على ديار ربيعة ومضر وبكر. وهي بلاد واسعة فيها مدن هامة وكبيرة منها : حرّان ، الرها ، الرّقة ، الموصل ، سنجار وآمد وغيرها. وخرج منها علماء ومحدثون وغير ذلك.
الانساب ٣ / ٢٤٨ ، معجم البلدان ٢ / ١٣٤ ، تقويم البلدان ٢٧٣ ـ ٢٩٨ ، صبح الأعشى ٤ / ٣١٤ ، تذكرة الحفاظ ٣ / ٩٢٤ ، الاعلان بالتواريخ ٦٢٧ ، الأمصار ذوات الآثار ١٩٣.
(٢) فارس هي بلاد واسعة يحدّها من الغرب بلاد خوزستان والجبال ، ومن الشرق بلاد كرمان ، ومن الجنوب بحر فارس (الخليج العربي) ، ومن الشمال المفازة التي بينها وبين خراسان والجبال ، وهي تشمل اليوم ايران وما جاورها إلى الشرق والشمال الشرقي. معجم البلدان ٤ / ٢٢٦ ، تقويم البلدان ٣٢١ ، الأمصار ذوات الآثار ٢٣٠.
(٣) ابن الحاجب هو عثمان بن عمر بن أبي بكر بن يونس جمال الدين بن الحاجب. ولد في أسنا من صعيد مصر عام ٥٧٠ هـ / ١١٧٤ م ، وتوفي بالاسكندرية عام ٦٤٦ هـ / ١٢٤٩ م. من فقهاء المالكية ومن كبار علماء العربية. تنقل بين القاهرة ودمشق ، وله العديد من التصانيف الاعلام ٤ / ٢١١ ، وفيات الأعيان ١ / ٣١٤ ، غاية النهاية ١ / ٥٠٨.
(٤) أو أفعل (+ م ، ع).