وقولنا كل في موضعه لأنّ نحو درهم ليس على وزن قمطر لتخالف مواضع الفتحتين والسكونين ، وكذا نحو بيطر مخالف لشريف في الوزن لتخالف موضعي الياءين ، وقد يخالف ذلك في أوزان التصغير فيقال : أوزان التصغير فعيل وفعيعل وفعيعيل ، ويدخل في فعيل رجيل وحمير وغير ذلك ، وفي فعيعل اكيلب وحميّر ونحوها ، وفي فعيعيل مفيتيح وتميثيل ، ونحو ذلك ، ويعرف وجهه في لفظ الوزن. فعلى هذا لا حاجة إلى تقييد الأحوال بكونها لا تكون إعرابا ولا بناء إذ هما طارئان على آخر حروف الكلمة ، فلم يدخلا في أحوال الأبنية. لكن بقي هاهنا شيء وهو أنه يخرج من الحدّ معظم أبواب التصريف ، أعني الاصول التي تعرف بها أبنية الماضي والمضارع والأمر والصفة وأفعل التفضيل والآلة والموضع والمصغّر والمصدر لكونها أصولا تعرف بها أبنية الكلم لا أحوال أبنيتها ، فإن أريد أن الماضي والمضارع مثلا حالان طارئان على بناء المصادر ففيه بعد ، لأنهما بناءان مستأنفان بنيا بعد هدم بناء المصدر ، ولو سلّم فلم عدّ المصادر في أحوال الأبنية ثم الماضي والمضارع والأمر وغير ذلك مما مرّ ، كما أنها ليست بأحوال الأبنية على الحقيقة ، بل هي أشياء ذوات أبنية على ما مرّ ، من تفسير البناء. بلى قد يقال : لضرب مثلا هذا بناء حاله كذا مجازا ، ولا يقال أبدا إنّ ضرب حال بناء ، وإنّما يدخل في أحوال الأبنية الابتداء ، والوقف ، والإمالة ، وتخفيف الهمزة ، والإعلال [والإبدال ، والحذف] (١) وبعض الإدغام ، وهو إدغام بعض حروف الكلمة في بعض ، وكذا بعض التقاء الساكنين ، وهو ما إذا كان (٢) الساكنان في كلمة [كما في قل وأصله قول] (٣) ، فهذه المذكورات أحوال الأبنية ، ثم الوقف والتقاء الساكنين في كلمتين ، والإدغام فيهما ليست بأبنية ولا أحوال أبنية لعدم اعتبار حركة الحرف الأخير وسكونها ، اللهم إلاّ أن يقال : أريد بالبناء الحروف المرتّبة بلا اعتبار الحركات والسكنات ، كذا ذكر المحقّق الرّضي (٤) في شرح الشافية (٥).
والجواب عن ذلك بأنه أريد بأبنية الكلم ما يطرأ عليها ، أي على الكلم من الهيئات والأحوال كما عرفت ، فهي نفس أحوال الكلم ، فالإضافة بيانية كما في قولهم شجر أراك ، فمعنى أحوال أبنية الكلم على هذا أحوال هي أبنية الكلم ، فلا يخرج من الحدّ معظم أبواب التصريف من أبنية الماضي والمضارع ونحوهما. وبالجملة فعلم الصرف علم بأصول تعرف بها أبنية الكلم ، ثم إنه كما يبحث في العلم عن العوارض الذاتية لموضوعه كذلك يبحث فيه عن أعراض تلك الأعراض ، فدخل في أبنية الكلم الابتداء والإمالة ونحوهما ممّا هو من أحوال الأبنية ، ويؤيّده ما وقع في الأصول من أنّ الصرف علم تعرف به أحوال الكلمة بناء وتصرّفا فيه ، أي في ذلك البناء ، لا إعرابا وبناء ، وكذا يدخل في الحدّ الوقف لأنه من أحوال الأبنية يعرضها باعتبار قطعها عمّا بعدها ، لا باعتبار حركة
__________________
(١) والإبدال ، والحذف (+ م ، ع).
(٢) وهو إذا كان (م ، ع).
(٣) كما في قل وأصله قول (+ م ، ع).
(٤) المحقق الرضي هو محمد بن الحسن الأسترآباذي. توفي نحو ٦٨٦ هـ / ١٢٨٧ م في استراباذ. عالم بالعربية ، وله بعض التصانيف في النحو والصرف. الاعلام ٦ / ٨٦ ، مفتاح السعادة ١ / ١٤٧ ، خزانة الادب ١ / ١٢ ، بغية الوعاة ٢٤٨.
(٥) شرح الشافية لرضي الدين محمد بن الحسن الأسترآباذي (حوالي ٦٨٦ هـ / ١٢٨٧ م) وهو شرح مطول ، طبع في لكناو ، ١٢٨٠ ه. اكتفاء القنوع ، ٣٠٦.