على الملكة فظاهر فتدبّر ، كذا ذكر الفاضل الچلپي (١). هذا ، وأمّا على ما اختاره صاحب الأطول من أنّ المعتبر في جميع العلوم المدوّنة حصول العلم عن دليل على ما سبق في تعريف العلوم المدوّنة ، فعدم شموله لعلم الله تعالى وعلم جبرائيل على جميع التقادير واضح ، لأنّ علم الله تعالى وكذا علم جبرائيل ليس استدلاليا ، وكذا الحال في علم الصرف والنحو والبيان والبديع ونحو ذلك.
واختار «تعرف» دون «تعلم» لأن المعرفة إدراك الجزئي ، فكأنّه قال : هو علم تستنبط منه إدراكات جزئية ، هي معرفة كل فرد فرد من جزئيات الأحوال المذكورات في هذا العلم ، بمعنى أنّ أي فرد يوجد منها أمكننا أن نعرفه بذلك ، لا أنّها تحصل جملة بالفعل ، لأن وجود ما لا نهاية له محال ، فلا يرد ما قيل إن أريد الكلّ فلا يكون هذا العلم حاصلا لأحد ، أو الجنس ، أو البعض ، فيكون حاصلا لكل من عرف مسئلة منه. وقال صاحب الأطول : ويمكن أن يجاب بأنّ المراد معرفة الكل واستحالة معرفة الكل لا ينافي كون العلم سببا لها ، كما أنّ استحالة عدم صفات الواجب لا ينافي سببية عدم الواجب ، وعدم حصول العلم المدوّن لأحد ليس بمستبعد ولا بممتنع ، وتسمية البعض فقيها مجاز ، وقد سبق إلى هذا إشارة في تعريف العلوم المدوّنة.
والمراد بأحوال اللفظ الأمور العارضة المتغيّرة كما يقتضيه لفظ الحال من التقديم والتأخير والتعريف والتنكير وغير ذلك ، وأحوال الإسناد أيضا من أحوال اللفظ باعتبار أنّ كون الجملة مؤكّدة أو غير مؤكّدة اعتبار راجع إليها ؛ ويجيء تحقيق قوله : التي بها يطابق اللفظ لمقتضى الحال في لفظ الحال ، واحترز به عن الأحوال التي ليست بهذه الصفة كالإعلال والإدغام والرّفع والنصب وما أشبه ذلك من المحسّنات البديعية ، فإنّ بعضها ممّا يتقدم على المطابقة وبعضها مما يتأخر منها (٢) ، فإن الإعلال والإدغام ونحوهما مما لا بدّ منه في تأدية أصل المعنى مقدّم على المطابقة ، والمحسّنات البديعية من التجنيس والترصيع ونحوهما مما يكون بعد رعاية المطابقة متأخّر عن المطابقة ، ولا بدّ من اعتبار قيد الحيثية المستفادة من تعليق الحكم [بالمشتق ثمّ] (٣) بالموصول الذي صلته مشتقّة ، أي التي بها يطابق اللفظ لمقتضى الحال من حيث هو كذلك ، ليتم أمر الاحتراز ، وإلاّ ادخل فيه بعض المحسّنات والأحوال النحوية والبيانية التي ربما يقتضيها الحال ، فإن الحال ربما يقتضي تقديما أو تأخيرا يبحث عنه النحوي ، وربما يقتضي السجع وغيره ، وربما يقتضي إيراد المجاز والتشبيه. فلو لا قيد الحيثية لدخلت هذه الأمور التي تعلّقت بعلوم أخر في المعاني.
ثم موضوع العلم ليس مطلق اللفظ العربي كما توهمه العبارة ، بل الكلام من حيث أنه يفيد زوائد المعاني. فلو قال أحوال الكلام العربي لكان أوفق ، إلاّ أنه راعى أن أكثر تلك الأحوال من عوارض أجزاء الكلام بالذات ، وإنّ صاحب المعاني يرجعه إلى الكلام ، فاختار اللفظ ليكون صحيحا في
__________________
(١) الفاضل الچلبي هو الحسن بن محمد شاه بن محمد شمس الدين بن حمزة الفناري ، الملقّب بملاّ حسن شلبي. ولد بتركيا عام ٨٤٠ هـ / ١٤٣٦ م وتوفي فيها عام ٨٨٦ هـ / ١٤٨١ م. من علماء الدولة العثمانية. عارف بالأصول والحديث والمعقول. له الكثير من المؤلفات. الاعلام ٢ / ٢١٦ ، الضوء اللامع ٣ / ١٢٧ ، شذرات الذهب ٧ / ٣٢٤ ، هدية العارفين ١ / ٢٨٨ ، المكتبة الأزهرية ٢ / ٦٧٣ ، البدر الطالع ١ / ٢٠٨ ، معجم المؤلفين ٣ / ٢١٣ ، الفوائد البهية ٦٤ ، إيضاح المكنون ٢ / ١٩٣.
(٢) عنها (م).
(٣) [بالمشتق ثم] (+ م).