الأمر ما لا يدخل تحت المساحة والمقدار ويجيء في لفظ العالم. وأمّا عند أهل العربية فالنحاة منهم على أنه ما يطلب به الفعل من الفاعل المخاطب بحذف حرف المضارعة سواء طلب على وجه الاستعلاء أو لا على ما قال الرضي. والصرفيون منهم على أنه يشتمل الأمر بغير اللام وباللام ، صرّح بذلك في الأطول. ويؤيده ما قال المولوي عصام الدين في حاشية الفوائد الضيائية : الأمر في ألسنة الصرفيين يشتمل الأمر باللام وهو الاصطلاح المشتهر بين المحصّلين. وقال في تعريف المعرب النحوي لا يسمّي ما هو باللام أمرا بل مضارعا مجزوما والأمر باصطلاحه ما هو بغير اللام. لكن في المطول ما يخالفه حيث قال : والقسمان الأوّلان أي الصيغة المقترنة باللام وغير المقترنة بها سمّاهما النحويون أمرا [قال في الأطول : وسمّاها الصرفيون] (١) سواء استعملا في حقيقة الأمر أو في غيرها حتى أن لفظ اغفر فيّ : اللهم اغفر لي أمر عندهم. ووجه التسمية غلبة استعمالهما في حقيقة الأمر أعني طلب الفعل على سبيل الاستعلاء انتهى.
أما أسماء الأفعال التي هي بمعنى الأمر فليست بأمر عند الفريقين ، لأن الأمر عندهم من أقسام الفعل. وأهل المعاني على أن صيغ الأمر ثلاثة أقسام : المقترنة باللام الجازمة وغير المقترنة بها. والاسم الدّال على طلب الفعل من أسماء الأفعال. وعرّفوه بأنه كلام تام دالّ على طلب الفعل على سبيل الاستعلاء وضعا على ما في الأطول ، وهكذا عند الأصوليين والمتكلّمين والمنطقيين ، إلاّ أنه قد يطلق الأمر عند جمهور الأصوليين على الفعل أيضا مجازا كما ستعرف. فالكلام جنس. والتامّ صفة كاشفة. وقوله دال على طلب الفعل (٢) احتراز عمّا لا يدلّ على الطلب أصلا ، وعمّا يدلّ عليه لكن لا يدل على طلب الفعل ، بل على طلب الكفّ كالنهي. وقوله على سبيل الاستعلاء احتراز عن الدعاء والالتماس. وقوله وضعا احتراز عن نحو أطلب منك الفعل فإنه ليس بأمر إذ لم توضع صيغة اطلب أي صيغة المضارع المتكلم للطلب ، فإنّ المراد بالوضع الوضع النوعي لا الشخصي.
قيل يخرج عن الحدّ كفّ نفسك عن كذا. وأجيب بأن الحيثية معتبرة فإن الحيثية كثيرا ما تحذف سيّما في التعريفات للشهرة على ما ستعرف في لفظ الأصل فإن الكفّ له اعتباران. أحدهما من حيث ذاته وأنه فعل في نفسه وبهذا الاعتبار هو مطلوب قولك : كفّ عن الزنا مثلا. والثاني من حيث أنه كفّ عن فعل وحال من أحواله وآلة لملاحظته ، وبهذا الاعتبار هو مطلوب لا تزن مثلا. فإذا قيل طلب فعل من حيث أنه فعل دخل فيه كفّ عن الزنا وخرج لا تزن.
ثم اعلم أنّ اشتراط الاستعلاء هو مذهب البعض كأبي الحسن (٣) ومن تبعه. والمراد بالاستعلاء طلب العلوّ وعدّ الطالب نفسه عاليا ، سواء كان في نفسه عاليا أو لا. ورأى الأشعري إهمال هذا الشرط. والمعتزلة يشترطون العلوّ. وإنّما قلنا والمراد بالاستعلاء كذا لأن لفظ الاستعلاء بهذا المعنى من مصنوعات المصنفين ، وإلاّ ففي الصحاح استعلى الرجل أي علا واستعلاه أي علاه. فظاهر التعريف يوافق مذهب المعتزلة ، هكذا ذكر صاحب الأطول. وإنما اشترط الاستعلاء لأن من هو أعلى رتبة من الغير لو قال له على سبيل التضرّع افعل ، لا
__________________
(١) [قال في الأطول وسمّاها الصرفيون] (+ م).
(٢) الفعل (ـ ع ، م).
(٣) الحسين (م).