امتزاجها ، ويمتنع أن يحصل في البدن الإنساني جسم عنصري خالص ، فلا بدّ أن يكون الحاصل جسما متولّدا من امتزاجها.
أما الجسم الذي تغلب (١) عليه الأرضية فهو الأعضاء الصلبة الكثيفة كالعظم واللحم والشّحم والعصب ونحوها ، ولم يقل أحد من العقلاء الذين قالوا إنّ الإنسان شيء مغاير لهذا الجسد بأنه عبارة عن أحد هذه الأعضاء لأنها كثيفة ثقيلة ظلمانية.
وأما الجسم الذي تغلب (٢) عليه المائية فهو الأخلاط الأربعة ، ولم يقع في شيء منها أنه الإنسان إلاّ في الدم ، فإن منهم من قال إنه هو الروح لأنه إذا خرج لزم الموت.
وأما الجسم الذي تغلب (٣) عليه الهوائية والنارية فهو الأرواح فهي أجسام هوائية مخلوطة بالحرارة الغريزية متولّدة إمّا في القلب أو في الدماغ ، وقالوا إنها هي الروح وهي الإنسان. ثم اختلفوا فمنهم من يقول إنه جزء لا يتجزأ في الدماغ ، ومنهم من يقول الروح عبارة عن أجزاء نارية مختلطة بهذه الأرواح القلبية والدماغية وتلك الأجزاء النارية المسماة بالحرارة الغريزية هي الإنسان. ومن الناس من يقول الروح عبارة عن أجسام نورانية سماوية لطيفة الجوهر على طبيعة ضوء الشمس ، وهي لا تقبل التحلّل والتبدّل ، ولا التفرق والتمزّق ، فإذا تكوّن البدن وتمّ استعداده وهو المراد بقوله تعالى (فَإِذا سَوَّيْتُهُ) (٤) نفذت تلك الأجسام الشريفة السماوية الإلهية في داخل أعضاء البدن نفاذ النار في الفحم ونفاذ دهن السمسم في السمسم ونفاذ ماء الورد في الورد. ونفاذ تلك الأجسام في البدن هو المراد بقوله (وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي) (٥). ثم إنّ البدن ما دام يبقى سليما قابلا لنفاذ تلك الأجسام الشريفة فيه بقي حيّا ، فإذا تولّدت في البدن أخلاط غليظة منعت تلك الأخلاط لغلظها سريان تلك الأجسام الشريفة فيها فانفصلت عن هذا البدن ولزم الموت ، فهذا مذهب قوي شريف يجب التأمّل فيه ، فإنه سديد بالمطابقة بما ورد في الكتب الإلهية من أحوال الحياة والموت. وأما أنّ الإنسان جسم موجود خارج البدن فلا أعرف أحدا ذهب إليه.
وأمّا القسم الثاني وهو أنّ الإنسان عرض في البدن فهذا لا يقول به عاقل لأنه موصوف بالعلم والقدرة والتدبير والتصرّف ، ومن كان كذلك كان جوهرا لا عرضا ، بل الذي يمكن أن يقال به هو الإنسان بشرط أن يكون موصوفا بأعراض مخصوصة ، وعلى هذا التقدير فللناس فيه أقوال : القول (٦) الأول إنّ العناصر إذا امتزجت وانكسرت سورة كلّ واحد منها بسورة الآخر حصلت كيفية معتدلة هي المزاج. ومراتب المزاج غير متناهية فبعضها إنسانية وبعضها فرسية ، فالإنسانية عبارة عن أجسام موصوفة بكيفيات مخصوصة متولّدة عن امتزاجات أجزاء العناصر بمقدار مخصوص ، وهذا قول جمهور الأطباء ومنكري النفس. ومن المعتزلة قول أبي الحسين. والقول الثاني إنّ الإنسان عبارة عن أجسام مخصوصة بشرط كونها موصوفة بصفة الحياة والعلم والقدرة ، وهي أعراض قائمة بالجسم ؛ وهؤلاء أنكروا الروح والنفس ، وقالوا
__________________
(١) تغلبت (ع ، م).
(٢) تغلبت (ع ، م).
(٣) تغلبت (ع ، م).
(٤) الحجر / ٢٩ ص / ٧٢.
(٥) الحجر / ٢٩.
(٦) القول (ـ ع ، ـ م).