أفصح منه وأوضح كلاما. قال صاحب الكشاف : البيان هو المنطق الفصيح المعبّر عمّا في الضمير ، كذا ذكر السيّد السّند في حاشية خطبة شرح الشمسية. وقال الچلپي في حاشية المطول : البيان مصدر بان أي ظهر جعل اسما للمنطق الفصيح المعبّر عمّا في الضمير ، والتبيان (١) مصدر بيّن على الشذوذ. وقد يفرّق بينهما بأنّ التبيان يحتوي على كدّ الخاطر وإعمال القلب ، وقريب منه ما قيل التبيان بيان مع دليل وبرهان ، فكأنّه مبني على أنّ زيادة البيان لزيادة المعنى. وقال المولوي عبد الحكيم في حاشية شرح المواقف : البيان الكشف والتوضيح ، وقد يستعمل بمعنى الإثبات بالدليل انتهى. وبالجملة فهو إمّا مصدر بان وهو لازم ومعناه الظهور ، أو مصدر بيّن وهو قد يكون لازما كقولهم في المثل قد بيّن الصبح لذي عينين ، أي بان ، وقد يكون متعدّيا بمعنى الإظهار ، قال الله تعالى (ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ) (٢) أي إظهار معانيه وشرائعه على ما وقع في بعض الكتب.
وفي بعض شروح الحسامي ثم إنّ البيان عبارة عن أمر يتعلّق بالتعريف والإعلام ، وإنما يحصل الإعلام بدليل ، والدليل محصّل للعلم ، فههنا أمور ثلاثة : إعلام وتبيين ودليل يحصل به الإعلام أو علم يحصل من الدليل. ولفظ البيان يطلق على كلّ واحد من تلك المعاني الثلاثة. وبالنظر إلى هذا اختلف تفسير العلماء له. فمن نظر إلى إطلاقه على الإعلام الذي هو فعل المبين كأبي بكر الصيرفي (٣) ، قال هو إخراج الشيء من حيّز الأشكال إلى حيّز التّجلّي والظهور ، وأورد عليه أنّ ما يدلّ على الحكم ابتداء من غير سابقية إجمال وأشكال بيان بالاتفاق ، ولا يدخل في التعريف. وكذا بيان التقرير والتغيير والتبديل لم يدخل فيه أيضا. وأيضا لفظ الحيّز مجاز والتجوّز في الحدّ لا يجوز. وأيضا الظهور هو التّجلّي فيكون تكرارا. فالأولى أن يقال البيان هو إظهار المراد كما في التوضيح. ومن نظر إلى إطلاقه على العلم الحاصل من الدليل كأبي بكر الدقّاق (٤) وأبي عبد الله البصري ، قال هو العلم الذي يتبيّن به المعلوم. وبعبارة أخرى هو العلم عن الدليل ، فكأنّ البيان والتبين عنده بمعنى واحد. ومن نظر ، إلى إطلاقه على ما يحصل به البيان كأكثر الفقهاء والمتكلّمين قال هو الدليل الموصل بصحيح النظر إلى اكتساب العلم بما هو دليل عليه. وعبارة بعضهم هو الأدلة التي بها تتبين الأحكام ، قالوا والدليل على صحّته أنّ من ذكر دليلا لغيره وأوضحه غاية الإيضاح يصحّ لغة وعرفا أن يقال تمّ بيانه ، وهذا بيان حسن إشارة إلى الدليل المذكور. وعلى هذا بيان الشيء قد يكون بالكلام والفعل والإشارة والرمز ، إذ الكل دليل ومبيّن ، ولكنّ أكثر استعماله في الدلالة بالقول ، فكلّ مفيد من كلام الشارع ، وفعله وسكوته واستبشاره بأمر وتنبيهه بفحوى الكلام
__________________
(١) التباين (م).
(٢) القيامة / ١٩.
(٣) ابو بكر الصيرفي : هو محمد بن عبد الله الصيرفي ، أبو بكر. توفي عام ٣٣٠ هـ / ٩٤٢ م. فقيه شافعي ، متكلم ، عالم بالأصول ، له عدة مؤلفات. الأعلام ٦ / ٢٢٤ ، وفيات الاعيان ١ / ٤٥٨ ، الوافي بالوفيات ٣ / ٣٤٦ ، طبقات الشافعية ٢ / ١٦٩ ، مفتاح السعادة ٢ / ١٧٨.
(٤) ابو بكر محمد بن أحمد بن عبد الباقي بن منصور البغدادي الدقاق ، المعروف بابن الخاضبة. ولد عام نيف وثلاثين وأربعمائة للهجرة ، وتوفي عام ٤٨٩ ه. إمام محدث حافظ ثقة ، له عدة كتب وتصانيف. سير أعلام النبلاء ١٩ / ١٠٩ ، المنتظم ٩ / ١٠١ ، الكامل في التاريخ ١٠ / ٢٦٠ ، العبر ٣ / ٣٢٥ ، ميزان الاعتدال ٣ / ٤٦٥ ، البداية والنهاية ١٢ / ١٥٣ ، لسان الميزان ٥ / ٥٧ ، طبقات الحفاظ ٤٤٨.