(وَلَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ) (١) الآية. ويقالان أيضا على ما إذا أعطي سلعة بسلعة (٢) كما في المفردات. وقال الإمام التقي (٣) البيع والشراء يقع في الغالب على الإيجاب والابتياع والاشتراء على القبول لأن الثلاثي أصل والمزيد فرع عليه ، والإيجاب أصل والقبول بناء عليه.
وفي الشرع مبادلة مال بمال بتراض أي إعطاء المثمّن وأخذ الثّمن على سبيل التراضي من الجانبين. فالفرق بين المعنى اللغوي والشرعي إنما هو بقيد التراضي على ما اختاره فخر الإسلام. وفيه أنّ التراضي لا بدّ له من لغة أيضا ، فإنّ الأخذ غصبا وإعطاء شيء من غير تراض لا يقول فيه أهل اللغة باعه. وأيضا يدخل في الحدّ الشرعي بيع باطل كبيع الخنزير ، ويخرج عنه بيع صحيح كبيع المكره هذا. وقيل المتبادر من المبادلة هي الواقعة ممن هو أهلها كما لا يخفى ، فخرج بيع المجنون والصبي والمحجور والسّكران والواقعة على وجه التملّك والتمليك ، فخرج الرّهن وعلى وجه الكمال والتأبيد فخرج الهبة بشرط العوض فإنه ليس بيعا ابتداء والإجارة لعدم التأبيد. والمراد بالمال ما يتناول المنفعة فدخل بيع حقّ المرور ، هذا كله خلاصة ما في فتح القدير والبرجندي والدرر وجامع الرموز.
التقسيم
في الدّرر أنواع البيع باعتبار المبيع أربعة ، لأنه إمّا بيع سلعة بسلعة ويسمّى مقايضة. أو بيعها بثمن ويسمّى بيعا لكونه أشهر الأنواع ، وقد يقال بيعا مطلقا. أو بيع ثمن بثمن ويسمّى صرفا. أو بيع دين بعين ويسمّى سلما. وباعتبار الثمن أيضا أربعة لأنّ الثّمن الأول إن لم يعتبر يسمّى مساومة. أو اعتبر مع زيادة ويسمّى مرابحة. أو بدونها ويسمّى تولية. أو مع النقص ويسمّى وضيعة انتهى كلامه. ومن البيوع ما يسمّى بيع الحصاة وهو أن يقول البائع بعتك من هذه الأثواب ما تقع هذه الحصاة عليه. ومنها بيع الملامسة وهو أن يلمس ثوبا مطويا في ظلمة ثم يشتريه على أن لا خيار له إذا رآه ، كذا في شرح المنهاج (٤) فتاوى الشافعية.
وفي الهداية بيوع كانت في الجاهلية وهو أن يتساوم الرجلان على سلعة فإذا لمسها المشتري أو نبذها إليه البائع أو وضع المشتري عليها حصاة لزم البيع ، فالأول بيع الملامسة والثاني المنابذة والثالث إلقاء الحجر. ومنها بيع المزابنة وهو بيع التّمر على النخيل بتمر مجذوذ مثل كيله خرصا. ومنها بيع المحاقلة وهو بيع الحنطة في سنبلها بحنطة مجذوذة مثل كيلها خرصا ، كذا في الهداية. ومنها بيع الوفاء هو وبيع المعاملة واحد ، وكذا بيع التلجئة كما في البزازية ، وهو أن يقول البائع للمشتري بعت بمالك عليّ من الدين على أني إن قضيت الدين فهو لي ، وأنه بيع فاسد يفيد الملك عند القبض. وقيل إنّ بيع الوفاء رهن حقيقة ولا يطلق الانتفاع للمشتري إلاّ بإذن البائع وهو ضامن لما أكل واستهلك ، وللبائع استرداده إذا
__________________
(١) البقرة / ١٠٢.
(٢) بسلعة (ـ م).
(٣) الإمام التقي : هو أبو بكر بن محمد بن عبد المؤمن بن حريز بن معلّى الحسيني الحصني ، تقي الدين. ولد بدمشق عام ٧٥٢ هـ / ١٣٥١ م. وتوفي فيها عام ٨٢٩ هـ / ١٤٢٦ م. فقيه ورع زاهد. له عدة مؤلفات. الاعلام ٢ / ٦٩. الضوء اللامع ١١ / ٨١ ، شذرات الذهب ٧ / ١٨٨ ، البدر الطالع ١ / ١٠٩.
(٤) من شروح منهاج الطالبين لمحي الدين أبي زكريا يحي بن شرف النووي (ـ ٦٧٦ هـ) الشرح المسمّى بالابتهاج لتقي الدين علي بن عبد الكافي السبكي (ـ ٧٥٦ هـ) وشرح آخر لجلال الدين محمد بن أحمد المحلي (ـ ٨٦٤ هـ) سمّاه كنز الراغبين شرح منهاج الطالبين. كشف الظنون ٢ / ١٨٧٣ ـ ١٨٧٦.