ازدياد أجزاء الجسم على نسبة طبيعية في الجملة من غير انضمام الغير. والذي يدلّ على ثبوت التخلخل والتكاثف هو أنّ الماء إذا انجمد صغر حجمه وإذا ذاب عاد إلى حجمه الأول فظاهر أنه لم يكن انفصل عنه جزء حين صغر حجمه ثم عاد ذلك الجزء ، أو ما يساويه إليه حين عاد هو إلى حجمه الأول ، بل صغر حجمه بلا انفصال وهو التكاثف ثم ازداد بلا انضمام وهو التخلخل. ومنها الانتفاش بالفاء وهو أن تتباعد الأجزاء بعضها عن بعض ويتداخلها الهواء أو جسم آخر غريب كالقطن المنفوش ، ويقابله التكاثف بمعنى الاندماج وهو أن تتقارب الأجزاء الوحدانية الطبع بحيث يخرج عنها ما بينها من الجسم الغريب كالقطن الملفوف بعد نفشه ، وهما بهذين المعنيين من الحركة في الوضع ، فإنّ الأجزاء بسبب حركتها الأينية (١) إلى التباعد أو التقارب تحصل لها هيئة باعتبار نسب بعضها إلى بعض. وفي بحر الجواهر إنّ اطلاق التخلخل والتكاثف على المعنى الأول حقيقة وعلى الثاني مجاز. ومنها رقّة القوام ويقابله التكاثف بمعنى غلظ القوام وهما بهذين المعنيين من الحركة في الكيف. وظاهر كلام المواقف يدلّ على أنّ الإطلاق على المعنيين الأولين باشتراك اللفظ وعلى الثالث مجاز. وإن شئت الزيادة على هذا فارجع إلى العلمي حاشية شرح هداية الحكمة وشرح المواقف في مباحث الحركة.
التخلّص : [في الانكليزية] Disengagement ، euphenism ـ [في الفرنسية] Desengagement ، euphenisme
عند البلغاء يطلق على إتيان المادح اسمه في المدح كما في جامع الصنائع. وعلى الانتقال مما افتتح به الكلام إلى المقصود مع رعاية المناسبة. قال في الإتقان في فصل المناسبة بين الآيات : ويقرب من الاستطراد أو حتى لا يكاد أن يفترقا. وحسن التخلّص وهو أن ينتقل مما ابتدئ به الكلام إلى المقصود على وجه سهل يختلسه اختلاسا دقيق المعنى بحيث لا يشعر السامع بالانتقال من المعنى الأول إلاّ قد وقع الثاني بشدة الالتئام بينهما. وقد غلط أبو العلاء محمد بن غانم (٢) في قوله لم يقع منه في القرآن شيء لما فيه من التكلّف ، وقال إنّ القرآن إنما ورد على الاقتضاءات التي هي طريقة العرب من الانتقال إلى غير ملائم وليس كما قال ، ففيه من التخلّصات العجيبة ما يحيّر العقول ، وانظر إلى سورة الأعراف كيف ذكر الأنبياء والقرون الماضية والأمم السابقة ثم ذكر موسى إلى أن قصّ حكاية السبعين رجلا ودعائه لهم ولسائر أمّته بقوله (وَاكْتُبْ لَنا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ) (٣) وجوابه تعالى عنه ، ثم تخلّص بمناقب سيّد المرسلين بعد تخلّصه لأمّته بقوله (قالَ عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) (٤) فسأكتبها للذين من صفاتهم كيت وكيت وهم الذين يتبعون الرسول النبي الأمي ، وأخذ في صفاته الكريمة وفضائله.
__________________
(١) الأينية نسبة إلى الأين ، والأين مقولة في المنطق وعلم الطبيعة تدل على المكان وتشير إلى الموضع. وقد استعملها المناطقة والفلاسفة والطبيعيون على السواء بمثل ما استخدموا الحيّز والمتحيز اي المكان والجسم القائم في مكان محدّد. أما الأين فعنى المكان مقولا على الأشياء كما عنى أحيانا المكان المطلق.
(٢) علي بن محمد بن سلمان بن حائل ، علاء الدين بن غانم ، متوفى بتبوك عام ٧٣٧ ه. شيخ فاضل بليغ كاتب. من أعيان الشام. الدرر الكامنة ٣ / ١٧٨ ، الشذرات ٦ / ١١٤ ، البداية والنهاية ١٤ / ١٧٨ ، السلوك ٢ / ٤٢٦ ، فوات الوفيات ٣ / ٧٨.
(٣) الاعراف / ١٥٦.
(٤) الاعراف / ١٥٦.