ثم الجبر عند أهل الكلام يستعمل كثيرا بمعنى إسناد فعل العبد إلى الله سبحانه ، وهو خلاف القدر. وهو إسناد فعل العبد إليه لا إلى الله تعالى. فالجبر إفراط في تفويض الأمر إلى الله تعالى بحيث يصير العبد بمنزلة الجماد لا إرادة له ولا اختيار. والقدر تفريط في ذلك بحيث يصير العبد خالقا لأفعاله بالاستقلال ، وكلاهما باطلان عند أهل الحق وهم أهل السّنة والجماعة. والحق الوسط بين الإفراط والتفريط المسمّى بالكسب هكذا في شرح المواقف والتلويح. وفي الصّراح الجبر بمعنى خلاف القدر على ما قال أبو عبيدة كلام مولد.
الجبروت : [في الانكليزية] The all ـ mighty ، constraint ـ [في الفرنسية] La Toute ـ puiance ، contrainte
عند الصوفية عبارة عن الذات القديمة وهي صيغة المبالغة بمعنى الجبر. والجبر إمّا بمعنى الإجبار من قولهم جبرته على الأمر جبرا أو أجبرته أكرهته عليه ، أو بمعنى الاستعلاء من قولهم نخلة جبارة إذا فاتتها الأيدي. والجبّار الملك تعالى كبرياؤه متفرّد بالجبروت لأنه يجري الأمور مجاري أحكامه ، ويجبر الخلق على مقتضيات إلزامه ، أو لأنّه يستعلي عن درك العقول كذا في شرح القصيدة الفارضية. والصفات القديمة تسمّى بالملكوت كما وقع في هذا الشرح أيضا ، ويجئ في محله. وفي مجمع السلوك الملكوت عندهم عبارة من (١) فوق العرش إلى تحت الثرى وما بين ذلك من الأجسام والمعاني والأعراض. والجبروت ما عدا الملكوت كذا قال الديلمي (١).
وقال بعض الكبار وأمّا عالم الملكوت فالعبد له فيه اختيار ما دام في هذا العالم ، فإذا دخل في عالم الملكوت صار مجبورا على أن يختار ما يختار الحق وأن يريد ما يريد ، لا يمكنه مخالفته أصلا انتهى.
وفي بعض حواشي شرح العقائد النسفية في الخطبة في اصطلاح المشايخ عالم الجبروت عالم الكروبيين (٣) وهو عالم المقربين من الملائكة وتحته عالم الأجساد وهو عالم الملك. والمراد من الجبروت الجبارية وهي عبارة من قهر الغير على وفق إرادته. والجبروت والعظمة بمعنى واحد لغة غير أنّ فيه معنى المبالغة لزيادة اللفظ. وفي اصطلاح أهل الكلام عبارة عن الصفات كما أنّ اللاهوت عبارة عن الذات ، فالإضافة في نعوت الجبروت على هذا الاصطلاح إضافة المسمّى إلى اسمه انتهى كلامه. ويقول في كشف اللغات : الجبروت هو مرتبة الوحدة باصطلاح السّالكين ، التي هي الحقيقة المحمديّة ، ولها علاقة بمرتبة الصّفات. انتهى. ويقول في موضع آخر : وتدعى مرتبة الصّفات الجبروت ، ومرتبة الأسماء الملكوت. وفي مرآة الأسرار يقول : اعلم بأنّ لأهل الفردانيّة مقام اللاّهوت ، يعني تجلّي الذات. ولاهوت في الأصل تعني : لا هو إلاّ هو. وحرف التاء زائد على قانون العربية ، ومن عادة هؤلاء القوم (الصوفية) إذا تكلّموا بكلام مخالط أن يضيفوا إليه شيئا أو يحذفوا منه شيئا ، لكي لا يصل إلى فهم مقصودهم من ليسوا بأهل لذلك. إذن لا هي نفي ، أي لا يكون تجلّي الصفات لهؤلاء
__________________
(١) هو أبو محمد روزبهان بن أبي نصر الشيرازي الديلمي الفسوي الكازروني ، صدر الدين ولد عام ٥٢٢ هـ / ١١٢٨ م. وتوفي عام ٦٠٦ هـ / ١٢٠٩ م. صوفي ، له عدة كتب في التصوف والتفسير. الأعلام ٣ / ٣٥ ، كشف الظنون ١١٣١ ، بروكلمان ، الملحق ١ / ٧٢٤ ، السلاجقة في التاريخ والحضارة ٣٨١.
(٣) خصّ الفلاسفة اسم الكروبيين فيما لا يكون له علاقة مع الأجسام ولو بالتأثير ، كالملائكة لأنهم العقول المجردة والنفوس الفلكية. شرح المقاصد ٢ / ٥٤ ، شرح العقائد النسفية ١ / ٦.