التقسيم
الحكماء قسّموا الجسم الطبيعي تارة إلى مركّب يتألف من أجسام مختلفة الحقائق كالحيوان وإلى بسيط وهو ما لا يتألف منها كالماء ، وقسّموا المركّب إلى تام وغير تام والبسيط إلى فلكي وعنصري وتارة إلى مؤلّف يتركّب من الأجسام سواء كانت مختلفة كالحيوان أو غير مختلفة كالسرير المركّب من القطع الخشبية المتشابهة في الماهية وإلى مفرد لا يتركب منها. قال في العلمي حاشية شرح هداية الحكمة والنسبة بين هذه الأقسام أنّ المركب مباين للبسيط الذي هو أعمّ مطلقا من المفرد ، إذ ما لا يتركّب من أجسام مختلفة الحقائق قد لا يتركّب من أجسام أصلا ، وقد يتركّب من أجسام غير مختلفة الحقائق. وبالجملة فالمركب مباين للبسيط وللمفرد أيضا ، فإنّ مباين الأعمّ مباين الأخصّ والمركّب أخصّ مطلقا من المؤلّف ، إذ كلّ ما يتركّب من أجسام مختلفة الحقائق مؤلّف من الأجسام بلا عكس كلي ، والبسيط أعمّ من وجه من المؤلّف لتصادقهما في الماء مثلا وتفارقهما في المفرد المباين للمؤلّف وفي المركب.
وأما عند المتكلمين فعند الأشاعرة منهم هو المتحيز القابل للقسمة في جهة واحدة أو أكثر. فأقلّ ما يتركّب منه الجسم جوهران فردان أي مجموعهما لا كلّ واحد منهما. وقال القاضي : الجسم هو كلّ واحد من الجوهرين لأنّ الجسم هو الذي قام به التأليف اتفاقا ، والتأليف عرض لا يقوم بجزءين على أصول أصحابنا لامتناع قيام العرض الواحد الشخصي بالكثير ، فوجب أن يقوم بكل من الجوهرين المؤلّفين على حدة ، فهما جسمان لا جسم واحد (١) ، وليس هذا نزاعا لفظيا راجعا إلى أنّ لفظ الجسم يطلق على ما هو مؤلّف في نفسه أي فيما بين أجزائه الداخلة فيه ، أو يطلق على ما هو مؤلّف مع غيره كما توهّمه الآمدي ، بل هو نزاع في أمر معنوي هو أنه هل يوجد ثمة أي في الجسم أمر موجود غير الأجزاء هو الاتصال والتأليف كما يثبته المعتزلة ، أو لا يوجد؟ فجمهور الأشاعرة ذهبوا إلى الأول فقالوا : الجسم هو مجموع الجزءين ، والقاضي إلى الثاني ، فحكم أنّ كلّ واحد منهما جسم. وقالت المعتزلة الجسم هو الطويل العريض العميق. واعترض عليه الحكماء بأنّ الجسم ليس جسما بما فيه من الأبعاد بالفعل. وأيضا إذا أخذنا شمعة وجعلنا طولها شبرا وعرضها شبرا ثم جعلنا طولها ذراعا وعرضها إصبعين مثلا فقد زال ما كان ، وجسميتها باقية بعينها ، وهذا غير وارد لأنه مبني على إثبات الكمية المتصلة. وأما على الجزء وتركّب الجسم منه كما هو مذهب المتكلّمين فلم يحدث في الشمعة شيء لم يكن ولم يزل عنها شيء قد كان ، بل انقلب الأجزاء الموجودة من الطول إلى العرض أو بالعكس. أو نقول المراد أنه يمكن أن يفرض فيه طول وعرض وعمق ، كما يقال الجسم هو المنقسم والمراد قبوله للقسمة. ثم اختلف المعتزلة بعد اتفاقهم على ذلك الحدّ في أقل ما يتركّب منه الجسم من الجواهر الفردة (٢). فقال النّظّام لا يتألف الجسم إلاّ من أجزاء غير متناهية. وقال الجبّائي يتألف الجسم من أجزاء ثمانية بأن يوضع جزءان فيحصل الطول وجزءان آخران على جنبه فيحصل العرض ، وأربعة أخرى فوق تلك الأربعة فيحصل العمق. وقال العلاّف من ستة بأن يوضع ثلاثة على ثلاثة. والحق أنه يمكن من أربعة أجزاء بأن يوضع جزءان وبجنب
__________________
(١) واحد (ـ م ، ع).
(٢) المفردة (م).