أحدهما ثالث وفوقه جزء آخر وبذلك يتحصل الأبعاد الثلاثة. وعلى جميع التقادير فالمركّب من جزءين أو ثلاثة ليس جوهرا فردا ولا جسما عندهم ، سواء جوّزوا التأليف أم لا.
وبالجملة فالمنقسم في جهة واحدة يسمّونه خطا وفي جهتين سطحا ، وهما واسطتان بين الجوهر الفرد والجسم عندهم ، وداخلتان في الجسم عند الأشاعرة ، والنزاع لفظي وقيل معنوي. ووجه التطبيق بين القولين على ما ذكره المولوي عبد الحكيم في حاشية شرح المطالع أنّ المراد إنّ ما يسمّيه كل أحد بالجسم ويطلقه هل يكفي في حصوله الانقسام مطلقا أو الانقسام في الجهات الثلاث؟ فالنزاع لفظي ، بمعنى أنه نزاع في ما يطلق عليه لفظ الجسم ، وليس لفظيا بمعنى أن يكون النزاع راجعا إلى مجرد اللفظ والاصطلاح لا في المعنى انتهى. وما عرفه به بعض المتكلّمين كقول الصالحية (١) من المعتزلة الجسم هو القائم بنفسه ، وقول بعض الكرّامية هو الموجود ، وقول هشام (٢) هو الشيء فباطل لانتقاض الأوّل بالباري تعالى والجوهر الفرد ، وانتقاض الثاني بهما وبالعرض أيضا ، وانتقاض الثالث بالثلاثة أيضا على أنّ هذه الأقوال لا تساعد عليها اللغة ، فإنّه يقال زيد أجسم من عمرو أي أكثر ضخامة وانبساط أبعاد وتأليف أجزاء. فلفظ الجسم بحسب اللغة ينبئ عن التركيب والتأليف ، وليس في هذه الأقوال إنباء عن ذلك. وأما ما ذهب إليه النّجّار والنّظّام من المعتزلة من أنّ الجسم مجموع أعراض مجتمعة ، وأنّ الجواهر مطلقا أعراض مجتمعة فبطلانه أظهر.
فائدة : قال المتكلّمون الأجسام متجانسة بالذات أي متوافقة الحقيقة لتركّبها من الجواهر الفردة ، وأنها متماثلة لا اختلاف فيها ، وإنّما يعرض الاختلاف لا في ذاتها ، بل بما (٣) يحصل فيها من الأعراض بفعل القادر المختار. هذا ما قد أجمعوا عليه إلاّ النّظّام ، فإنّه يجعل الأجسام نفس الأعراض ، والأعراض مختلفة بالحقيقة ، فتكون الأجسام على رأيه أيضا كذلك. وقال الحكماء بأنها مختلفة الماهيات. فائدة : الجسم المركّب لا شك في أنّ أجزاءه المختلفة موجودة فيه بالفعل ومتناهية. وأما الجسم البسيط فقد اختلف فيه. فذهب جمهور الحكماء إلى أنه غير متألّف من أجزاء بالفعل بل بالقوة ، فإنّه متصل واحد في نفسه كما هو عند الحسّ ، لكنه قابل لانقسامات غير متناهية ، على معنى أنه لا تنتهي القسمة إلى حدّ لا يكون قابلا للقسمة ، وهذا كقول المتكلمين أنّ الله تعالى قادر على المقدورات الغير المتناهية مع قولهم بأنّ حدوث ما لا نهاية محال. فكما أنّ مرادهم أنّ قادريته تعالى لا تنتهي إلا حدّ إلاّ ويصح منه الإيجاد بعد ذلك ، فكذلك الجسم لا يتناهى في القسمة إلى حدّ إلاّ ويتميّز فيه طرف عن طرف فيكون قابلا للقسمة الوهمية. وذهب بعض قدماء الحكماء وأكثر المتكلّمين من المحدثين إلى أنّه مركّب من أجزاء لا تتجزأ موجودة فيه بالفعل متناهية.
__________________
(١) فرقة من المرجئة القدرية أتباع صالح بن عمر الصالحي ، والذي عدّه ابن المرتضى في الطبقة السابعة من طبقات المعتزلة.
وقد خالف الصالحي جمهور العلماء في كثير من الآراء ، وزعم أن الإيمان هو المعرفة بالله فقط ، والكفر الجهل به ، وأن الصلاة ليست عبادة ، والإيمان وحده هو العبادة. وكانت للصالحية ضلالات كثيرة. الفرق بين الفرق ٢٠٧ ، الملل والنحل ١٤٥ ، طبقات المعتزلة ٧٣.
(٢) هو هشام بن عمرو الفوطي الشيباني. ذكره ابن المرتضى في آخر الطبقة السادسة من المعتزلة. زعيم الفرقة الهشامية من المعتزلة. وكانت له ضلالات كبيرة في القدر وتحريف القرآن ، بل كان ينكر كثيرا مما ذكره القرآن. الفرق ١٥٩ ، الملل والنحل ٧٢ ، مقالات الإسلاميين ١ / ٢١٨ ، التبصير ٧٥ ، طبقات المعتزلة ٦١.
(٣) مما (م).