بالاختياري. فالحمد أيضا غير مختصّ بالاختياري كالمدح ، واختاره السيّد السّند في حاشية إيساغوجي ، واستدل عليه بقوله تعالى (عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً) (١) وبالحديث المأثور «وابعثه المقام المحمود الذي وعدته» (٢). قال : والحمل على الوصف المجازي وصفا له بوصف صاحبه كالكتاب الكريم والأسلوب الحكيم صرف عن الظاهر. ثم معنى الجميل الاختياري هو الصادر بالاختيار كما هو المشهور أو الصادر عن المختار وإن لم يكن مختارا فيه ، كما قال به بعض المتأخرين. فعلى القول الثاني لا نقض بصفات الله تعالى لأنّ صفاته تعالى صادرة عن المختار وهو ذاته تعالى أي مستندة إليه ، وإن لم تكن صادرة عنه بالاختيار. وكذا على القول الأول بأن يراد بالاختياري أعمّ من أن يكون اختياريا حقيقة أو بمنزلة الاختياري. والصفات المذكورة بمنزلة الأفعال الاختيارية لاستقلال الذات فيها وعدم احتياجه فيها إلى أمر خارج كما هو شأن الأفعال الاختيارية. وفيه أنّ ذات الواجب تعالى يحتاج في بعض الأفعال الاختيارية إلى خارج كإرزاق زيد مثلا فإنه يحتاج فيه إلى وجود زيد ، فالأولى أن يقال المراد بالاختيار المعنى الأعم المشترك بين القادر والموجب وهو كون الفاعل بحيث إن شاء فعل وإن لم يشأ لم يفعل ، فإنّه متّفق عليه بين المتكلّمين والحكماء في الواجب وغيره ، لا كونه بحيث يصحّ منه الفعل والترك لأنّه مقابل للإيجاب ، هكذا يستفاد مما ذكر صاحب الاطول وأبو الفتح في حاشية الحاشية الجلالية. وبالقيد الأخير خرج الاستهزاء والسخرية إذ لا بدّ في الحمد أن يكون ذلك الوصف على قصد التعظيم بأن لا يكون هناك قرينة صارفة عن ذلك القصد لأنّه إذا عرى عن مطابقة الاعتقاد أو خالفه أفعال الجوارح ونحوها لم يكن حمدا حقيقة ، بل كان من السخرية والاستهزاء. لا يقال فقد اعتبر في الحمد فعل الجنان والأركان أيضا لأنّا نقول إنّ كلّ واحد منهما شرط لكون فعل اللسان حمدا لا ركن منه. وفي أسرار الفاتحة المدح يكون قبل الإحسان وبعده ، والحمد لا يكون إلاّ بعده. وأيضا قد يكون منهيا كما قال عليهالسلام : «احثوا التراب على وجوه المدّاحين» (٣). والحمد مأمور به مطلقا. قال عليهالسلام : «من لم يحمد الناس لم يحمد الله» (٤) انتهى. ولا يخفى ما فيه من المخالفة لما سبق عن عموم الحمد النعم الواصلة إلى الحامد وغيرها. ثم اعلم أنّ القول المخصوص الذي يحمدون به إنّما يريدون به إنشاء الحمد وإيجاد الوصف لا الإخبار به ، فهو إنشاء لا خبر ؛ وليس ذلك القول حمدا بخصوصه بل لأنّه دالّ على صفة الكمال ومظهر لها ، أي لها مدخل تام في ذلك. ومن ثمّ أي من أجل أنّ لدلالته على صفة الكمال وإظهاره لها مدخلا تاما في كونه حمدا عبّر بعض المحقّقين من الصوفية عن إظهار الصفات الكمالية بالحمد تعبيرا عن اللازم
__________________
(١) الاسراء / ٧٩.
(٢) صحيح البخاري ، كتاب الآذان ، باب (الدعاء عند النداء) ، حديث (١١) ، ١ / ٢٥٣ بلفظ مقاما محمودا. البغوي ٢ / ٢٨٣ رقم ٤٢٣ عن جابر.
(٣) صحيح مسلم ، كتاب الزهد ، باب (النهي عن المدح) حديث ٦٩ (٣٠٠٢) ، ٤ / ٢٢٩٧ بلفظ : إذا رأيتم المداحين احثوا في وجوههم التراب.
(٤) الترمذي ، الجامع ، كتاب البر ، باب (الشكر لمن أحسن إليك) حديث (١٩٥٥) ، ٤ / ٣٣٩ ، بلفظ لم يشكر الناس من لم يشكر الله.