يحصل من تركيبها مزاج. قالوا الحياة مشروطة باعتدال المزاج وبالروح الذي هي أجسام لطيفة تتولّد من بخارية الأخلاط سارية في الشرايين المنبثّة من القلب. وكذا عند المعتزلة إلاّ أنّ البنية عندهم هي مجموع جواهر فردة لا يمكن [تركب بدن] (١) الحيوان من أقلّ منها ، والأشاعرة لا يشترطون البنية ويقولون يجوز أن يخلق الله تعالى الحياة في جزء واحد من الأجزاء التي لا تتجزى. قال الصوفية : الحياة عبارة عن تجلّي النفس وتنورها بالأنوار الإلهية. وفي التفسير الكبير في تفسير قوله تعالى : (وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى) (٢) أنّ المراد من الموتى عند أهل التصوّف القلوب المحجوبة عن أنوار المكاشفات والتجلّي ، والإحياء عبارة عن حصول ذلك التجلّي والأنوار الإلهية انتهى. وفي القشيري (٣) في تفسير هذه الآية ، قال الجنيد : الحي من تكون حياته بحياة خالقه ، لا من تكون حياته ببقاء هيكله. ومن يكون بقاؤه ببقاء نفسه فإنّه ميت في وقت حياته. ومن كانت حياته به كان حقيقة حياته عند وفاته ، لأنّه يصل بذلك إلى رتبة الحياة الأصلية. قال تعالى : (لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا) (٤) انتهى. والمستفاد من الإنسان الكامل أنّ الحياة هي الوجود وهي تعمّ المعاني والهيئات والأشكال والصّور والأقوال والأعمال والمعادن والنباتات وغير ذلك. قال وجود الشيء لنفسه حياته التامة ووجوده لغيره حياة إضافية له. فالحق سبحانه موجود لنفسه فهو الحيّ ، وحياته وهي الحياة التامة ، والخلق من حيث الجملة موجودون بالله فحياتهم إضافية ، ولذا التحق بها الفناء والموت. ثم إنّ حياة الله تعالى في الخلق واحدة تامة ، لكنهم متفاوتون فيها. فمنهم من ظهرت الحياة فيه على صورتها التامة وهو الإنسان الكامل ، فإنّه موجود لنفسه وجودا حقيقيا لا مجازيا ولا إضافيا. فربّه هو الحيّ التام الحياة بخلاف غيره ، والملائكة العلّيّون (٥) وهم المهيمنة ومن يلحق بهم ، وهم الذين ليسوا من العناصر كالقلم الأعلى واللوح وغيرهما من هذا النوع ، فإنّهم ملحقون بالإنسان الكامل
__________________
ـ وفي نسق منظم بحسب طبقات أو فئات أو أبعاد. ورأى (لالاند في معجمه (Vocabulaire technique) أن البنية تطلق على المعاني التالية : ترتيب للأقسام التي تشكل كلا واحدا ، إن في البيولوجيا ، فتقال على التكوين التشريحي والنسيجي ، وإن في علم النفس ، فتقال على تركيبات الوعي واللاوعي مثل بنى الذكاء. وإن في علم الإناسة ، حيث تقال على بنى القربى والعلاقات. الخ ..
وأفضل الباحثين في البنيوية structuralisme جان بياجيه السويسري الذي اعتبر هذا النهج يتميز : بأن البنية فيها خاصة مشتركة تتبلور في كون البنية مكتفية بذاتها لا تتطلب في إدراكها اللجوء إلى أي عنصر غريب أو طبيعة مساعدة. وبأن البنية تملك انجازات ترقّيها وتحوّلاتها وضبطها الذاتي من خصائصها وبذاتها. وهذه البنية في أخص خاصّيتها أنها تخضع لخصوصية كليتها الجامعة والتي تختلف عن خواص العناصر والأجزاء التي تتركب منها بحيث تكون لها قوانين معيّنة في كونها مجموعة تعيد بناء ذاتها بذاتها. وهذا الفهم الأخير يتمايز عن المعنى اللغوي العربي القائل إن البنية تتألف من طبقات لتشكّل وحدة وبناء. إن البنيوية لا تقف عند حدود كيفية التكوين بل تجعل النهج يصيّر البنية بحركة آلية تلقائية تعيد انتاج تركيبها وتحوّلاتها محافظة على اسسها وبنيّاتها المكوّنة والمكوّنة.
(١) [تركب بدن] + (م ، ع).
(٢) البقرة / ٢٦٠.
(٣) الرسالة القشيرية في التصوف : للإمام أبي القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري الشافعي (ـ ٤٦٥ هـ) ، وهي على أربعة وخمسين بابا وثلاثة فصول. كشف الظنون ، ١ / ٨٨٢.
(٤) يس / ٧٠.
(٥) العيون (م ، ع).