فافهم ، ومنهم من ظهرت فيه الحياة على صورتها لكن غير تامة وهو الإنسان الحيواني والملك والجنّ فإنّ كلا من هؤلاء موجود لنفسه يعلم أنّه موجود وأنّه كذا وكذا ، ولكنّ هذا الوجود له غير حقيقي لقيامه بغيره. فربّه موجود للحق لا له ، وكانت حياة ربّه حياة (١) غير تامة. ومنهم من ظهرت فيه لا على صورتها وهي باقي الحيوانات ، ومنهم من بطنت فيه الحياة فكان موجودا لغيره لا لنفسه كالنباتات والمعادن والمعاني وأمثال ذلك ، فسارت الحياة في جميع الأشياء. فما موجود إلاّ وهو حي لأنّ وجوده عين حياته ، وما الفرق إلاّ أن يكون تامّا أو غير تام ، بل ما تمّ إلاّ من حياته التّامة لأنّه على القدر الذي تستحقه مرتبة ، فلو نقص أو زاد لعدمت تلك المرتبة. فما في الوجود إلاّ ما هو حي بحياة تامة ولأنّ الحياة عن واحدة ولا سبيل إلى نقص فيها ولا إلى انقسام لاستحالة تجزئ الجوهر الفرد. فالحياة جوهر فرد موجود بكماله في كل شيء ، فشيئية الشيء هي حياته وهي حياة الله التي قامت الأشياء بها ، وذلك هو تسبيحها من حيث اسمه الحي لأن كل موجود يسبح الحق من حيث كل اسم فتسبيحه من حيث اسمه الحيّ هو عين وجوده بحياته ومن حيث اسمه العليم هو دخولها تحت علمه. وقولها لها يا عالم هو كونها أعطاها العلم من نفسها بأن حكم عليها أنّها كذا وكذا وتسبيحها له من حيث اسمه السميع هو إسماعها إيّاه كلامها ، وهو ما استحقّ حقائقها بطريق الحال فيما بينها وبين الله بطريق المقال ، ومن حيث اسمه القدير هو دخولها تحت قدرته ، وقس على ذلك باقي الأسماء. إذا علمت ذلك فاعلم أنّ حياتها محدّثة بالنسبة إليها قديمة بالنسبة إلى الله تعالى لأنّها حياته ، وحياته صفة له قديمة. ومتى أردت أن تتعقل ذلك فانظر إلى حياتك وقيّدها بك فإنّك لا تجد إلاّ روحا يختصّ بك ، وذلك هو المحدث. ومتى رفعت النظر في حياتك من الاختصاص بك وذقت من حيث الشهود أنّ كل حي في حياته كما كنت فيها وشهدت سريان تلك الحياة في جميع الموجودات ، علمت أنّها الحياة الحق التي أقام بها العالم وهي الحياة القديمة الإلهية. واعلم أنّ كلّ شيء من المعاني والهيئات والأشكال والصور والأقوال والأعمال والمعادن والنباتات وغير ذلك مما يطلق عليه اسم الوجود فإنّ له حياة في نفسه لنفسه ، حياة تامة كحياة الإنسان. لكن لمّا حجب ذلك عن الأكثرين نزّلناه عن درجة الإنسان وجعلناه موجودا لغيره ، وإلاّ فكلّ شيء له وجود في نفسه لنفسه وحياة تامة ، بها ينطق ويعقل ويسمع ويبصر ويقدر ويريد ويفعل ما يشاء ولا يعرف هذا إلاّ بطريق الذوق والكشف ، وأيّد ذلك الإخبارات الإلهية من أنّ الأعمال تأتي يوم القيمة صورا تخاطب صاحبها فتقول له عملك ثم يأتيه غيرها وتطرده وتناجيه. ومن هذا القبيل نطق الأعضاء والجوارح ، انتهى ما في الإنسان الكامل.
فائدة :
اختلف العلماء في حياته تعالى. فذهب الحكماء وأبو الحسين البصري من المعتزلة إلى أنها صحة العلم والقدرة. وقال الجمهور من الأشاعرة ومن المعتزلة إنّها صفة توجب صحّة العلم والقدرة. وقال صاحب الإنسان الكامل إنّها هي وجوده لنفسه كما عرفت.
__________________
(١) حياته (م ، ع).