حيث هو اسم للإسناد إليه. والاسم أعمّ من اللفظي والتقديري فيتناول نحو : (وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ) (١). والمجرّد معناه الذي لم يوجد فيه عامل أصلا حتى يئول إلى السّلب الكلّي.
واحترز به عن الاسم الذي فيه عامل لفظي كاسمي إنّ وكان. ومعنى تمييز عن المجرّد أي المجرّد عنها معنى سواء لم يكن فيه عامل لفظا نحو زيد قائم أو كان لكنه معدوم معنى وحكما بأن لا يكون مؤثّرا في المعنى كالمبتدإ المجرور بحرف الجر الزائد نحو بحسبك درهم. وقولهم من حيث هو اسم قيد للتجريد أي إنما يعتبر التجريد للإسناد إليه من حيث هو اسم. أمّا إذا كان صفة كما هو القسم الثاني فلم يعتبر فيه التجريد عنها للإسناد إليه إذ المبتدأ هو المسند في القسم الثاني ، كذا قيل. وفيه أنّه إن أريد بالاسم مقابل الصفة مطلقا فلا يجب في التّجريد لأجل الإسناد أن يكون اسما بل يجوز أن يكون صفة أيضا ، نحو حاتم من قريش. وإن أريد مقابل الصفة المعتمدة على الاستفهام والنفي فهو استعمال غير واقع فالأولى أن يقال إنّه قيد في المبتدأ (٢) ليدخل في تعريفه الناس في قول الشاعر :
سمعت الناس ينتجعون غيثا.
برفع الناس على حكاية الجملة. فالناس مبتدأ وهو من حيث هو اسم واحد مجرّد عن ملابسة سمعت معنى. وأمّا من حيث هو مع خبره جملة فيكون غير مجرّد عن ملابسته معنى لأنّ المسموع هو هذه الجملة. وإنما كان الناس مجرّدا عن ملابسته معنى لأنّ المراد على تقدير رفعه حكاية الجملة فلا يكون بسمعت تأثير في الناس وحده ، كما كان لباب علمت تأثير في كلّ (٣) واحد من جزئي الجملة ، لأنّ المراد منه مضمونها. وإنما قيّد التّجريد بالإسناد إليه إذ لو جرّد لا للإسناد لكان حكمه حكم الأصوات التي ينعق بها غير معربة ، وفيه احتراز عن الخبر وعن القسم الثاني. وثانيهما الصفة المتعمدة على أحد ألفاظ الاستفهام والنفي رافعة لاسم ظاهر أو ما يجري مجراه من الضمير المنفصل ، نحو : أقائم الزيدان و (أَراغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي) (٤). والمراد بالصفة أعمّ من الوصف المشتقّ كضارب ومضروب وحسن أو جارية مجراها كقريشي. وإنما قلنا أحد ألفاظ الاستفهام والنفي ولم نقل على أحد حرفي الاستفهام والنفي لأنّ الشّرط الاعتماد على الاستفهام حرفا كان أو اسما متضمّنا له كمن وما ، وعلى النفي سواء كان مستفادا من حرفه أو ما هو بمعناه نحو إنما قائم الزيدان. وقولنا رافعة لظاهر احتراز عن نحو : أقائمان الزيدان لأن قائمان رافع لضمير عائد إلى الزيدان ، ولو كان رافعا لهذا الظاهر لم يجز تثنيته. وعن سيبويه جواز الابتداء بالصّفة بلا اعتماد مع قبح نحو : قائم زيد. والأخفش (٥) يرى ذلك حسنا.
وعن البعض جواز الابتداء باسم الفعل نحو : هيهات زيد ، فهيهات مبتدأ وزيد فاعل سادّ مسدّ الخبر.
واعلم أنّ العامل في المبتدأ والخبر عند
__________________
(١) البقرة / ١٨٤.
(٢) المعتمدة (م ، ع).
(٣) كل (ـ م).
(٤) مريم / ٤٦.
(٥) هو سعيد بن مسعدة المجاشعي بالولاء البلخي ثم البصري أبو الحسن ، المعروف بالأخفش الأوسط. توفي حوالي العام ٢١٥ هـ / ٨٣٠ م. نحوي ، عالم باللغة والأدب ، وكان معتزليا. له عدة مؤلفات هامة. الأعلام ٣ / ١٠١ ، وفيات الاعيان ١ / ٢٠٨ ، إنباه الرواة ، ٢ / ٣٦ ، معجم الأدباء ١١ / ٢٢٤ ، بغية الوعاة ٢٥٨ ، مرآة الجنان ٢ / ٦١ ، معجم المفسرين ١ / ٢١٠ ، طبقات المفسرين للداودي ١ / ١٨٥ ، شذرات الذهب ٢ / ٣٦ وغيرها.