وعند الأطباء هو أخصّ مما هو عند الحكماء. قال في بحر الجواهر : وأمّا الأطباء فإنّهم يخصون باسم السّبب ما كان فاعلا ولا كلّ سبب فاعل ، بل ما كان فعله في بدن الإنسان أوّلا ، ولا كلّ ما كان فعله كذلك ، فإنّهم لا يسمّون الأمراض أسبابا مع أنّها فاعلة الأعراض (١) في بدن الإنسان ، بل ما كان فاعلا لوجود الأحوال الثلاث أي الصحة والمرض والحالة الثالثة أو حفظها ، سواء كان بدنيا أو غير بدني ، جوهرا كان كالغذاء والدواء أو عرضا كالحرارة والبرودة. ولذا عرّفوه بما يكون فاعلا أوّلا فيجب عنه حدوث حالة من أحوال بدن الإنسان أو ثباتها وقد يكون الشيء الواحد سببا ومرضا وعرضا باعتبارات مختلفة. مثلا السّعال قد يكون من أعراض ذات الجنب وربّما استحكم حتى صار مرضا بنفسه ، وقد يكون سببا لانصداع عرق. ولفظ أو في التعريف لتقسيم المحدود دون الحدّ فهو إشارة إلى أنّ السّبب على قسمين : فالذي يجب عنه حدوث حالة من تلك الأحوال يسمّى السبب الفاعل والمغيّر والذي يجب عنه ثبوت حالة من تلك الأحوال يسمّى السّبب المديم والحافظ.
ثم السّبب باعتبار دخوله في البدن وخروجه عنه ثلاثة أقسام : لأنه إمّا أن لا يكون بدنيا بأن لا يكون خلطيا أو مزاجيا أو تركيبيا ، بل يكون من الأمور الخارجة مثل الهواء الحار أو من الأمور النفسانية كالغضب ، فإنّ النفس غير البدن يسمّى بادئا لظهوره من حيث يعرفه كلّ أحد من بدأ الشيء إذا ظهر ، وعرّف بأنّه الشيء الوارد على البدن من خارج المؤثّر فيه من غير واسطة. وإمّا أن يكون بدنيا فإن أوجب حالة من الأحوال المذكورة بغير واسطة كإيجاب العفونة للحمّى يسمّى واصلا لأنّه يوصل البدن إلى حالة. وإن أوجبها بواسطة كإيجاب الامتلاء للحمّى بواسطة العفونة يسمّى سابقا لسبقها على الحمّى بالزمان. وأيضا السّبب ينقسم باعتبار آخر إلى ضروري وغير ضروري لأنّه إمّا أن تمكن الحياة بدونه ويسمّى غير ضروري سواء كان مضادا للطبيعة كالسّموم أو لا كالتمرّغ في الرمل ، وإمّا أن لا تمكن الحياة بدونه ويسمّى ضروريا وهو ستة : جنس الحركة والسكون البدنيين ، وجنس الحركة والسكون النفسانيين ، وجنس الهواء المحيط ، وجنس النوم واليقظة ، وجنس المأكول والمشروب ، وجنس الاستفراغ والاحتباس ، ويسمّى هذه بالأسباب الستة الضرورية وبالأسباب العامة أيضا. وباعتبار آخر إلى ذاتي وهو ما يكون تأثيره بمقتضى طبعه من حيث هو هو كتبريد الماء البارد ، وإلى عرضي وهو ما لا يكون كذلك كتسخن الماء بحقن الحرارة. وباعتبار آخر إلى مختلف وغير مختلف لأنّه إمّا أن يكون بحيث إذا فارق بقي تأثيره وهو المختلف أو لا يكون كذلك وهو غير المختلف. ومن الأسباب الأسباب التّامة هي الأسباب التي أفادت البدن الكمال ومنها الأسباب الكلّية وهي ما يلزم من وجوده حدوث الكائنات.
وعند الأصوليين هو ما يكون طريقا إلى الحكم من غير تأثير ولا توقّف للحكم عليه. فبقيد الطريق خرجت العلامة لأنّها دالّة عليه لا طريق إليه أي مفضية إليه. وبقيد عدم التّأثير خرجت العلّة. وبالقيد الأخير خرج الشّرط. ثم طريق الشيء لا بد أن يكون خارجا عنه فخرج الركن أيضا. وقد جرت العادة بأن يذكر في هذا المقام أقسام ما يطلق عليه اسم السّبب حقيقة أو مجازا ، ويعتبر في تعدد الأقسام اختلاف الجهات والاعتبارات ، وإن اتّحدت الأقسام بحسب الذوات. ولهذا ذهب فخر الإسلام إلى
__________________
(١) الأمراض (م).