آت ، فإنه لو اعتبرت الحركة لفات السجع لأنّ التاء من فات مفتوح ومن آت مكسور منون هكذا في المطول.
فائدة : قال ابن الأثير : السجع يحتاج إلى أربع شرائط : اختيار المفردات الفصيحة واختيار التأليف الفصيح وكون اللفظ تابعا للمعنى لا عكسه وكون كلّ واحدة من الفقرتين دالّة على معنى آخر ، وإلاّ لكان تطويلا.
فائدة : حروف الفواصل إمّا متماثلة كما مرّ أو متقاربة مثل (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ، مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) (١). قال الإمام فخر الدين وغيره فواصل القرآن لا تخرج عن هذين القسمين بل تنحصر في المتماثلة والمتقاربة.
فائدة : هل يجوز استعمال السجع في القرآن؟ فيه خلاف. والجمهور على المنع لأنّ أصله من سجع الطير أي صات ، والقرآن من صفاته تعالى ، ولا يجوز وصفه بصفتهم ما لم يرو (٢) الإذن بها. قال الرماني (٣) في إعجاز القرآن : ذهب الأشعرية إلى امتناع أن يقال في القرآن سجع بل فواصل ، وفرّقوا بأنّ السجع هو الذي يقصد في نفسه ثم يحال المعنى عليه ، والفواصل هي التي تتبع المعاني ولا تكون مقصودة في نفسها. قال : ولذلك كانت الفواصل بلاغة والسجع عيبا وتبعه على ذلك القاضي أبو بكر الباقلاني. ونقله عن نص أصحابنا كلهم وأبي الحسن الأشعري. قال ذهب كثير من غير الأشاعرة إلى إثبات السجع في القرآن وزعموا أنّ ذلك مما يبين به فضل الكلام وأنّه من الأجناس التي يقع بها التفاضل في البيان والفصاحة ، كالجناس والالتفات ونحوهما. قال وأقوى ما استدلوا به الاتفاق على أنّ موسى أفضل من هارون ، ولمكان السجع قيل في موضع هارون وموسى. ولما كانت الفواصل في موضع آخر بالواو والنون قيل موسى وهارون. قالوا وهذا يفارق أمر الشّعر لأنّه لا يجوز أن يقع في الخطاب إلاّ مقصودا إليه ، وإذا وقع غير مقصود إليه كان دون القدر الذي نسميه شعرا ، وذلك القدر مما يتفق وجوده من المفخّم ، كما يتفق وجوده من الشاعر. وما جاء في القرآن من السجع فهو كثير لا يصحّ أن يتفق كله غير مقصود إليه ، وبنوا الأمر في ذلك على تجديد (٤) معنى السجع ، فقال أهل اللغة : هو موالاة الكلام على حدّ واحد. وقال ابن دريد (٥) : سجعت الحمامة معناه ردّدت صوتها. قال القاضي : وهذا غير صحيح. ولو كان القرآن سجعا لكان داخلا في أساليب كلامهم ، وحينئذ لم يقع بذلك الإعجاز ، ولو جاز أن يقال هو سجع معجز لجاز أن يقولوا شعر معجز. وكيف السجع مما كان بالغه (٦) الكهان من العرب ونفيه من القرآن أجدر بأن يكون حجة من نفي الشّعر ، لأنّ الكهانة تنافي النّبوات بخلاف الشّعر ، وقد قال صلىاللهعليهوسلم «أسجع كسجع الكهان» فجعله مذموما.
__________________
(١) الفاتحة / ٢ ـ ٣.
(٢) يرد (م).
(٣) هو علي بن عيسى بن علي بن عبد الله ، أبو الحسن الرماني. ولد ببغداد عام ٢٩٦ هـ / ٩٠٨ م وفيها توفي عام ٣٨٤ هـ / ٩٩٤ م. معتزلي ، مفسّر ، نحوي. له الكثير من المصنفات اللغوية الهامة. الاعلام ٤ / ٣١٧ ، بغية الوعاة ٣٤٤ ، وفيات الاعيان ١ / ٣٣١ ، تاريخ بغداد ١٢ / ١٦ ، انباه الرواة ٢ / ٢٩٤.
(٤) تحديد (م).
(٥) هو محمد بن الحسن بن دريد الأزدي ، أبو بكر. ولد عام ٢٢٣ هـ / ٨٣٨ م. وتوفي ببغداد عام ٣٢١ هـ / ٩٣٣ م. من أئمة اللغة والادب. كان أشعر العلماء وأعلم الشعراء. له العديد من الكتب الهامة. الاعلام ٦ / ٨٠ ، إرشاد الأريب ٦ / ٤٨٣ ، وفيات الأعيان ١ / ٤٩٧ ، آداب اللغة ٢ / ١٨٨ ، لسان الميزان ٥ / ١٣٢ ، تاريخ بغداد ٢ / ١٩٥.
(٦) تألفه (م).