طامث حلال ، فسألوا الناس ، فقالوا : تخرج إلى بعض المواقيت فتحرم منه ، وكانت إذا فعلت لم تدرك الحج ، فسألوا أبا جعفر عليهالسلام ، فقال : «تحرم من مكانها ، فقد علم الله نيتها» (١).
وجه الدلالة أن المرأة المذكورة قد تركت واجبا لاحتمال حرمته شرعا ، والإمام عليهالسلام قرّرها على ذلك ولم ينكره عليها ، بل استحسن ذلك من فعلها بقوله : «فقد علم الله نيتها» ، أي علم أن تركها للإحرام إنما نشأ من حيث اعتقادها تحريمه ، فهو يشعر بأن الحكم فيما لو كان كذلك هو الترك. وما توهّمه بعض مشايخنا المعاصرين ـ رضوان الله عليهم ـ من دلالة هذه الرواية على عدم الاحتياط حتى نظمها في سلك أخبار زعم أنها تدلّ على عدم الاحتياط ، وجعلها معارضة لأخبار الاحتياط غفلة ناشئة عن عدم إعطاء التأمل حقه من التحقيق ، وعدم النظر في الأخبار بعين التدقيق.
ومن الاحتياط المستحب في الحكم الشرعي بالفعل أو الترك ما إذا تعارضت الأدلّة في حكم بين فعله وجوبا أو استحبابا ، وترجح في نظر الفقيه الثاني بأحد القرائن أو المرجّحات الشرعية ، فإنّ الإتيان بالفعل أحوط ؛ ولذا ترى الفقهاء في مثل هذا الموضع يحملون الدليل المرجوح على الاستحباب ، تفاديا من طرحه ، كأخبار غسل الجمعة المتعارضة وجوبا واستحبابا عند من يرجح أخبار الاستحباب ، أو تعارضت الأخبار بين الحرمة والكراهة مع ترجيح الثاني ، فإنّ الاحتياط هنا بالترك. وعلى هذا أيضا جرى الفقهاء ـ رضوان الله عليهم ـ في غير موضع.
ومن الاحتياط الواجب في جزئيات موضوع الحكم الشرعي بالإتيان بالفعل
__________________
(١) الكافي ٤ : ٣٢٤ / ٥ ، باب من جاوز ميقات أرضه بغير إحرام .. ، وسائل الشيعة ١١ : ٣٣٠ ، أبواب المواقيت ، ب ١٤ ، ح ٦.