ولا باس بنقل جملة من الأخبار المشتملة على ذكر الاحتياط ، وتذييل كل منها بما يوقف الناظر على سواء الصراط ؛ فإن جملة من مشايخنا ـ رضوان الله عليهم ـ قد اشتبه عليهم ما تضمّنته من الأحكام حتى صرحوا بتعارضها في المقام على وجه يعسر الجمع بينها والالتئام كما تقدمت الإشارة إلى ذلك. فمن ذلك صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال : سألت أبا الحسن عليهالسلام عن رجلين أصابا صيدا وهما محرمان ؛ الجزاء عليهما ، أم على كل واحد منهما؟ قال : «لا ، بل عليهما أن يجزي كل واحد منهما عن الصيد». قلت : إن بعض أصحابنا سألني عن ذلك فلم أدر ما عليه ، فقال عليهالسلام : «إذا اصبتم بمثل هذا فلم تدروا ، فعليكم بالاحتياط» (١).
وهذه الرواية قد دلّت على وجوب الاحتياط في بعض جزئيات موضوع الحكم الشرعي مع الجهل بالحكم وعدم إمكان السؤال ، وذلك لأن ظاهر الرواية ، أن السائل عالم بأصل وجوب الجزاء ، وإنما شك في موضعه بكونه عليهما معا جزاء واحدا وعلى كل واحد جزاء بانفراده.
ومن ذلك صحيحته الاخرى عن أبي إبراهيم عليهالسلام قال : سألته عن الرجل يتزوج المرأة في عدتها بجهالة ، أهي ممن لا تحل له أبدا؟ فقال : «لا ، أما إذا كان بجهالة فليتزوجها بعد ما تنقضي عدتها ، وقد يعذر الناس في الجهالة بما هو أعظم من ذلك».
فقلت : أي الجهالتين أعذر بجهالته أن يعلم أن ذلك محرّم عليه ، أم بجهالته أنها في عدة؟ فقال : «إحدى الجهالتين أهون من الاخرى : الجهالة بأنّ الله حرم عليه ذلك ، وذلك أنه لا يقدر على الاحتياط معها». فقلت : هو في الاخرى معذور؟ فقال : «نعم ،
__________________
(١) الكافي ٤ : ٣٩١ / ١ ، باب القوم يجتمعون على الصيد وهم محرمون ، تهذيب الأحكام ٥ : ٤٦٦ ـ ٤٦٧ / ١٦٣١ ، وسائل الشيعة ٢٧ : ١٥٤ ، أبواب صفات القاضي ، ب ١٢ ، ح ١.