ولا ريب أنه لم يعلم حبه عزوجل لأحد ، ولا حبّ أحد له بما يبلغ هذه المرتبة غير أنبيائه عليهمالسلام وأوصيائهم الذين خلقوا من أنوار (١) عزته ، وعصموا من مباشرة معصيته. ولفظه وإن كان عاما إلّا إنه يجب تخصيصه بهم لما ذكرنا.
وربما تمسك بهذا الخبر الصوفية القائلون بوحدة الوجود كما هو دأبهم من التمسك فيما يذهبون إليه بالآيات والأخبار المتشابهة (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ) (٢). وسيأتي إن شاء الله تعالى في آخر البحث (٣) نبذة من الكلام معهم في ذلك.
ونحن قد قدمنا الكلام في معنى الخبر المذكور في بعض درر الكتاب (٤) ، ونقلنا ما ذكره في بيان معناه جملة من العلماء الأنجاب بما يزيل عن صحيح معناه غشاوة الشكّ والارتياب.
ولا يخفى عليك أن أصحاب هذه المرتبة ـ وهم الذين ذكرناهم من الأنبياء وخواص الأوصياء ـ صلوات الله عليهم ـ هم أهل الكشف والفناء في الله كما يشير إليه قول أمير المؤمنين عليهالسلام في حديث كميل في وصف أوصيائه من أنبيائه ـ صلوات الله عليه وعليهم ـ : «صحبوا الدنيا بأبدان أرواحها معلقة بالملأ الأعلى ، وهم الذين عندهم علم ما كان وما يكون ، وهم الذين كشف لهم عن علم الغيوب ، وأظهر لديهم كل مكنون ومحجوب» (٥).
ويؤيد ذلك خبر أبي الدرداء في الغشية التي كانت تعتري (٦) مولانا أمير المؤمنين عليهالسلام ، فيصير كالخشبة الملقاة (٧) ، وما اشتهر من أنه كانت تنزع السهام
__________________
(١) في «ح» : أطوار.
(٢) آل عمران : ٧.
(٣) من «ح».
(٤) انظر الدرر ١ : ٣٤٥ ـ ٣٦٢ / الدرّة : ١٤.
(٥) نهج البلاغة : ٦٨٧ / الحكمة : ١٤٧.
(٦) من «ح» ، وفي «ق» : تصري.
(٧) الأمالي (الصدوق) : ١٣٧ / ١٣٦.