العصيّة (١) الخروج منه في وقت اشتغاله بالصلاة فلا يحس بها ولا يتألم لأجلها (٢).
وما ورد عن الصادق عليهالسلام إنه كان يصلي في بعض الأيام فخر مغشيا عليه في أثناء الصلاة فسئل بعدها عن سبب غشيته؟ فقال : «ما زلت اردد هذه الآية ـ يعني : (إِيّاكَ نَعْبُدُ وَإِيّاكَ نَسْتَعِينُ) (٣) ـ حتى سمعتها من قائلها» (٤).
إذا عرفت ذلك فاعلم أن ما ذكره المحقق المذكور في المرتبة الرابعة من تشبيه صاحبها بمن احترق بالنار بكليته وتلاشى فيها بجملته ؛ إمّا أن يحمل على ما تدلّ عليه حقائق هذه الألفاظ ، ولا ريب في فساده وعدم استقامته بالكلية ؛ فإنه لا يخفى على كل عاقل أن المحترق بالنار والمتلاشي فيها يضمحلّ من الوجود بالكلّيّة ويصير عدما محضا ، والضرورية قاضية بكون العارف بالله على الوجه المذكور لا يضمحل كما يضمحل المحترق بالنار. ولا يعقل أيضا أن يوصف بذلك مع كونه موجودا فيلزم أن يكون موجودا معدوما ، ومتلاشيا متماسكا ، وباقيا محترقا. وليت شعري أي نبيّ من الأنبياء احترق بنور المعرفة وتلاشى حتى لم يبق منه شيء بالكلية؟
وإن أريد بهذه الألفاظ في المشبّه به الحقيقة وفي المشبه المجاز ، لزم فساد التشبيه ؛ لعدم الاتفاق في وجه الشبه ، ولا يبعد أن يحمل كلامه على ما صرّح به جملة من علماء الصوفيّة ، ومنهم الملّا محسن الكاشي في كلماته ، حيث قال في معنى الفناء في الله (٥) ، والبقاء بالله تعالى : (قال أهل المعرفة : المراد بفناء العبد ليس
__________________
(١) العصية ، من «ح» ، وفي «ق» : الصعبة.
(٢) الأربعون حديثا (الماحوزي) : ١٨٦ / شرح الحديث : ١٦.
(٣) الفاتحة : ٥.
(٤) كنز الدقائق ١ : ٥٥.
(٥) وعن كتاب (لوامع الأنوار في شرح عيون الأخبار) للسيد نعمة الله الجزائري رحمهالله أنه قال في شرح لفظ (الله) من قول الماتن رحمهالله : (الحمد لله) ما صورته : (الله : اسم للموجود الحق الجامع الصفات الإلهية ، المتفرّد بالوجود الحقيقي ، فإن كل موجود سواه غير مستحق للوجود بذاته ،