فناء ذاته ، بل المراد : فناء الجهة البشرية التي له في جهة (١) ربوبية الحق ، فإن كل عبد له جهة من الحضرة الإلهية ، (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها) (٢). وهذا الفناء لا يحصل إلّا بالتوجه التامّ إلى جانب الحقّ المطلق حتى تغلب الجهة الحقيّة على الجهة الخلقيّة ، كقطعة الفحم المجاورة للنار فإنها بسبب المجاورة والاستعداد لقبول النارية تشتعل قليلا قليلا إلى أن تصير نارا ، فيحصل منها ما يحصل من الاحتراق والإنضاج والإضاءة وغيرها ، وقبل الاشتعال كانت باردة كدرة.
وذلك التوجه لا يمكن إلّا بالاجتناب عما يضادّها ويناقضها ، وهو التقوى ممّا عداها ؛ فالمحبة هي المركب ؛ والمراد هو التقوى) (٣) انتهى.
ويؤكد ما ذكرناه ما وقفت عليه في رسالة (أوصاف الأشراف) لهذا المحقق أيضا ، حيث ذكر فيها مراتب المعرفة أيضا على نحو أبسط من هذه العبارة التي نقلها عنه شيخنا البهائي وغيره ، وفي آخرها ما ترجمته ـ حيث إن الرسالة كتبها بالفارسيّة ـ : (ومن جملة هؤلاء جماعة معرفتهم من باب المعاينة ، وهؤلاء المسمّون بأهل الحضور والانس والانبساط ، وهم الخواص ، مثل الإنسان
__________________
وإنما استفاد الوجود منه فهو من حيث ذاته هالك ، ومن حيث جملة ماهيته موجود ، وكل موجود إلّا وجهه فتحقيقه أن وجود الموجودات من جملة الحيثيات المحتاجة إلى وجوده عزّ شأنه ، فهي من حيث ذاتها عدم محض وبهذا فسّر جماعة من المحققين معنى وحدة الموجود وأنه لا موجود إلّا الله كما فسّره الصوفيّة تارة بحلول ذاته سبحانه وتعالى في جميع الموجودات أو في الصور الحسان منا على اختلاف القولين ، واخرى ما فسّر بعضهم من معنى وحدة الوجود فقال : شمول الأصل الواحد إلى أمثلة مختلفة لمعان مقصودة لا تحصل إلّا بها ، يعني أنه سبحانه بمنزلة المصدر الموجود في ضمن المشتقات ، فهي من نسبة إنيّته ومن العوارض والمشخّصات. والأشبه كما قاله الغزالي : إن لفظ (الله) جار في الدلالة على هذا المعنى مجرى أسماء الأعلام. فكل ما ذكر في اشتقاقه وتصرّفه تعسف وتكلف). منه رحمهالله ، (هامش «ح»).
(١) من «ح».
(٢) إشارة إلى الآية : ١٤٨ ، من سورة البقرة.
(٣) كلمات مكنونة من علوم أهل الحكمة : ١٢٢.