متعلّقة بالمحلّ الأعلى ، فله أن يستفيد من (القرآن) بعض غرائبه ويستنبط منه نبذا من عجائبه ، [و] ليس ذلك من كرم الله بغريب ، ولا من جوده بعجيب ، فليست السعادة وقفا على قوم دون آخرين.
وقد عدّوا عليهمالسلام جمعا من أصحابهم المتصفين بهذه الصفات من أنفسهم ، كما قالوا : «سلمان منا أهل البيت» (١). فمن هذه صفته لا يبعد دخوله في الراسخين في العلم ، العالمين (٢) بالتأويل ، بل في قولهم : «نحن الراسخون في العلم» (٣) كما دريت في المقدمة السابقة.
وحمل أحاديث النهي على أن يكون للمفسر في الشيء رأي (٤) ، وإليه ميل من طبعه وهواه ، فيتأول (القرآن) على وفق رأيه وهواه ، ليحتجّ على تصحيح غرضه ومدّعاه. ولو لم يكن له ذلك الرأي والهوى لكان لا يلوح له من (القرآن) ذلك المعنى ، أو أن يتسارع إلى تفسير (القرآن) بظاهر العربية من غير استظهار بالسماع والنقل فيما يتعلّق بغرائب (القرآن) وما فيها من الألفاظ المبهمة والمبدلة ، وما فيها من الاختصار ، والحذف والإضمار ، والتقديم والتأخير ، وفيما يتعلّق بالناسخ والمنسوخ ، والخاص والعام ، والرخص والعزائم ، والمحكم والمتشابه ، إلى غير ذلك من وجوه الآيات.
فمن لم يحكم ظاهر التفسير ومعرفة وجوه الآيات المفتقرة إلى السماع ، وبادر إلى استنباط المعاني بمجرّد فهم العربية كثر غلطه ودخل في زمرة من يفسّر
__________________
(١) الاحتجاج ١ : ٦١٦ / ١٣٩ ، بحار الأنوار ١٠ : ١٢٣ / ٢.
(٢) من «ح» ، وفي «ق» : القائلين.
(٣) بصائر الدرجات : ٢٠٤ / ب ١٠ ، ح ٦ ، وسائل الشيعة ٢٧ : ١٩٨ ، أبواب صفات القاضي ، ب ١٣ ، ح ٥٣.
(٤) للمفسّر في الشيء رأي ، من «ح» ، وفي «ق» : المفسر في الشيء براي.