الرحمن الرحيم. لعبد الله معاوية أمير المؤمنين من زياد بن أبي سفيان. أمّا بعد ، فإنّ الله قد أحسن عند أمير المؤمنين البلاء ، فكاد له عدوه ، وكفاه مؤنة مَنْ بغى عليه. إنّ طواغيت من هذه الترابية السبئية (١) رأسهم حجر بن عدي خالفوا أمير المؤمنين ، وفارقوا جماعة المسلمين ، ونصبوا لنا الحرب ، فأظهرنا الله عليهم وأمكننا منهم ، وقد دعوت خيار أهل المصر وأشرافهم ، وذوي السن والدين منهم فشهدوا عليهم بما رأوا وعملوا ، وقد بعثت بهم إلى أمير المؤمنين ، وكتبت شهادة صلحاء أهل المصر وخيارهم في أسفل كتابي هذا.
فلمّا قرأ الكتاب وشهادة الشهود عليهم قال : ماذا ترون في هؤلاء النفر الذين شهد عليهم قومهم بما تستمعون؟ فقال له يزيد بن أسد البجلي : أرى أن تفرّقهم في قرى الشام فيكفيكهم طواغيتها.
ودفع وائل بن حجر كتاب شريح بن هانئ إلى معاوية فقرأه ، فإذا فيه : بسم الله الرحمن الرحيم ، لعبد الله معاوية أمير المؤمنين من شريح بن هانئ. أمّا بعد ، فإنّه بلغني أنّ زياداً كتب إليك بشهادتي على حجر بن عدي ، وأن شهادتي على حجر أنّه ممّن يقيم الصلاة ، ويؤتي الزكاة ، ويديم الحج والعمرة ، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، حرام الدم والمال ، فإن شئت فاقتله وإن شئت فدعه.
فقرأ كتابه على وائل بن حجر وكثير فقال : ما أرى هذا إلاّ قد أخرج نفسه من شهادتكم ، فحبس القوم بمرج عذراء ، وكتب معاوية إلى زياد : أمّا بعد ، فقد فهمت ما اقتصصت به من أمر حجر وأصحابه ، وشهادة مَنْ قبلك عليهم ، فنظرتُ في ذلك ؛ فأحياناً أرى قتلهم أفضل من تركهم ، وأحياناً أرى العفو عنهم أفضل من قتلهم. والسلام (٢).
فكتب إليه زياد مع يزيد بن حجية بن ربيعة التيمي : أمّا بعد ، فقد قرأت كتابك ،
__________________
(١) الترابية : نسبة إلى أبي تراب ، وهو لقب علي الذي أشاعه الاُمويّون. والسبائية هنا تشير إلى القبائل اليمانية.
(٢) تاريخ الطبري ٥ / ٢٧٣ سنة ٥١.