له : «إنّي محدّثك باُمور فاحفظها». ثمّ اشتركا في الحديث سرّاً ، فقال له جويرية : يا أمير المؤمنين ، إنّي رجل نسيّ. فقال له : «إنّي أُعيد عليك الحديث لتحفظه». ثمّ قال له في آخر ما حدّثه إيّاه : «يا جويرية ، أحبب حبيبنا ما أحبّنا ، فإذا أبغضنا فابغضه ، وابغض بغيضنا ما أبغضنا ، فإذا أحبّنا فأحبه». قال حبّة : دخل جويرية على علي عليهالسلام يوماً وهو مضطجع ، وعنده قوم من أصحابه ، فناداه جويرية : أيها النائم استيقظ ، فلتضربنَّ على رأسك ضربة تُخضّب منها لحيتك.
قال : فتبسّم أمير المؤمنين عليهالسلام ، قال : «واُحدّثك يا جويرية بأمرك ، أما والذي نفسي بيده لتعتلنَّ (١) إلى العتلّ الزنيم ، فليقطعنَّ يدك ورجلك ، وليصلبنَّك تحت جذع كافر».
قال : فوالله ما مضت الأيام على ذلك حتّى أخذ زياد جويرية ، فقطع يده ورجله ، وصلبه إلى جانب جذع بن مكعبر (٢) ، وكان جذعاً طويلاً ، فصلبه على جذع قصير إلى جانبه (٣).
نجاح تخطيط معاوية في الكوفة :
نجح تخطيط معاوية في الكوفة من خلال ابن زياد ، وكُبِتَ الحقّ وأهله فيها ، وتحقّق ما
__________________
(١) يُقال : عتله عتلاً ، إذا أخذه بمجامعه وجرّه جرّاً عنيفاً.
(٢) قال ابن أبي الحديد (في شرح نهج البلاغة ٥ / ٣١) : وحكى أبو عبيدة ، قال : بينا نحن على أشراف الكوفة وقوف إذ جاء أسماء بن خارجة الفزاري فوقف ، وأقبل ابن مكعبر الضبّي فوقف متنحيّاً عنه ، فأخذ أسماء خاتماً كان في يده ، فصه فيروزج أزرق ، فدفعه إلى غلامه ، وأشار إليه أن يدفعه إلى ابن مكعبر ، فأخذ ابن مكعبر شسع نعله ، فربطه بالخاتم وأعاده إلى أسماء ، فتمازحا ولم يفهم أحد من الناس ما أرادا ، أراد أسماء بن خارجة قول الشاعر :
لقد زرقت عيناك يابن مكعبرٍ |
|
كذا كلّ ضبيٍّ من اللؤم أزرقُ |
(٣) شرح نهج البلاغة ابن أبي الحديد ٢ / ٢٩٠.