لأهلها في إعلائه إيّاهم ، وإفلاجه حجّتهم ، ودفعه باطل مَنْ حادهم وناواهم وساماهم ، وأراد إطفاء نور الله الذي معهم ، وخبرتم مع ذلك ما يصير إليه أهل المعصية من التوبيخ لهم ، والتقصير بهم ، حتّى يؤول أمرهم إلى تبار وصغار وذلّة وبوار ، وفي ذلك لمَنْ كان له رأي وموعظة عبرة ينتفع بواضحها ، ويتمسّك بحظوتها ، ويعرف خيرة قضاء الله لأهلها.
ثمّ إنّ الله وله الحمد والمنّ والفضل هدى الأمّة لأفضل الاُمور عاقبة لها في حقن دمائها ، والتئام ألفتها ، واجتماع كلمتها ، واعتدال عمودها ، وإصلاح دهمائها ، وذخر النعمة عليها في دنياها ، بعد خلافته التي جعلها لهم نظاماً ، ولأمرهم قواماً.
وهو العهد الذي ألهم الله خلفاءه (١) توكيده ، والنظر للمسلمين في جسيم أمرهم فيه ؛ ليكون لهم عند ما يحدث بخلفائهم ثقة في المفزع ، وملتجأ في الأمر ، ولمّاً للشعث ، وصلاحاً لذات البين ، وتثبيتاً لأرجاء الإسلام ، وقطعاً لنزغات الشيطان فيما يتطلّع إليه أولياؤه ، ويوثبهم عليه من تلف هذا الدين ، وانصداع شعب أهله ، واختلافهم فيما جمعهم الله عليه منه. فلا يريهم الله في ذلك إلاّ ما ساءهم ، وأكذب أمانيهم ، ويجدون الله قد أحكم بما قضى لأوليائه من ذلك عقد اُمورهم ، ونفى عنهم مَنْ أراد فيها إدغالاً … فأكمل الله بها لخلفائه وحزبه البررة الذين أودعهم طاعته أحسن الذي عوَّدهم …
فأمْرُ هذا العهد من تمام الإسلام ، وكمال ما استوجب الله على أهله من المنن العظام ، وممّا جعل الله فيه لمَنْ أجراه على يديه ، وقضى به على لسانه ، ووفقه لمَنْ ولاّه هذا الأمر عنده أفضل الذخر ، وعند المسلمين أحسن الأثر فيما يؤثر بهم من منفعته ، ويتسع لهم من نعمته ، ويستندون إليه من عزّه ، ويدخلون فيه من وزره ، الذي يجعل الله لهم به منعة ، ويحرزهم به من كلّ مهلكة ، ويجمعهم به من كلّ فرقة ، ويقمع به أهل النفاق ، ويعصمهم به من كلّ اختلاف وشقاق.
__________________
(١) يريد به ما صنعه أبو بكر حين استخلف ، وما صنعه معاوية حين استخلف ، وجرى الخلفاء من بعده على منواله.