فتصايح الناس وجعلوا ينالون من مروان ويقولون : الوزغ ابن الوزغ. وجعل بن حنظلة يهدّئهم ويقول : إنّ الشتم ليس بشيء ، ولكن أصدقوهم اللقاء ، والله ما صدق قوم قطّ إلاّ حازوا النصر بقدرة الله.
ثمّ رفع يديه إلى السماء واستقبل القبلة ، وقال : اللّهمّ إنّا بك واثقون ، بك آمنّا ، وعليك توكلّنا ، وإليك ألجأنا ظهورنا.
ثمّ نزل وصبح القوم المدينة ، فقاتل أهل المدينة قتالاً شديداً (حتى كثرهم أهل الشام) ، ودخلت المدينة من النواحي كلّها ، فلبس عبد الله بن حنظلة يومئذ درعين وجعل يحضّ أصحابه على القتال ، فجعلوا يقاتلون وقتل الناس ، فما ترى إلاّ راية عبد الله بن حنظلة ممسكاً بها مع عصابة من أصحابه وحانت الظهر ، فقال لمولى له : احمِ لي ظهري حتّى اُصلّي. فصلّى الظهر أربعاً متمكّناً ، فلمّا قضى صلاته ، قال له مولاه : والله يا أبا عبد الرحمن ما بقي أحد ، فعلامَ نقيم؟! ولواؤه قائم ما حوله خمسة. فقال : ويحك! إنّما خرجنا على أن نموت ، ثمّ انصرف من الصلاة وبه جراحات كثيرة ، فتقلّد السيف ونزع الدرع ولبس ساعدين من ديباج ، ثمّ حثّ الناس على القتال وأهل المدينة كالأنعام الشُّرُد ، وأهل الشام يقتلونهم في كلّ وجه ، فلمّا هُزم الناس طرح الدرع وما عليه من سلاح وجعل يقاتلهم وهو حاسر حتّى قتلوه. ولمّا قُتل عبد الله بن حنظلة لم يكن للناس مقام فانكشفوا في كلّ وجه ، وكان الذي ولي قتل عبد الله بن حنظلة رجلان شَرَعا فيه جميعاً ، وحزّا رأسه ، وانطلق به أحدهما إلى مسرف وهو يقول : رأس أمير القوم ، فأومأ مسرف بالسجود وهو على دابته. وكانت الحرّة في ذي الحجّة سنة ثلاث وستين (١).
رواية أبي مخنف :
قال هشام (٢) : قال أبو مخنف : ثمّ إنّ خيل مسلم ورجاله أقبلت نحو عبد الله بن
__________________
(١) طبقات ابن سعد ٥ / ٦٥.
(٢) تاريخ الطبري ٥ / ٤٩٠ سنة ٦٣.