أمّا البيعة فتمكن المنصوص عليه من النهوض بالحكم فعلاً ، وسيرة النبي صلىاللهعليهوآله والأئمّة عليهمالسلام توضّح دور البيعة وأهميّتها في التمكين والقدرة ، وليس في تأسيس الحقّ.
أمّا الشورى فهي اُسلوب ممارسة الحكم من الحاكم فيما لا نصّ فيه ، وسيرة النبي صلىاللهعليهوآله والإمام علي عليهالسلام غنية بالشواهد على ذلك.
(إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأْحْبارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللَّهِ وَكانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ) المائدة / ٤٤. فالحكم في زمن النبي صلىاللهعليهوآله مختصّ به ومَنْ يأذن له فيه ، وفي زمن أوصيائه عليهمالسلام مختصّ بهم ومَنْ يأذنوا له فيه ، وفي عصر الغيبة مختصّ بالفقهاء العدول.
إنّ مسألة إقامة الحدود في عصر الغيبة مسألة فقهية لا ربط بها بغيبة الإمام عليهالسلام ، فلا تتعطل الأحكام عند غيبته نظير وفاة النبي صلىاللهعليهوآله ، وقد أفتى الشيخ المفيد رحمهالله منذ القرن الرابع الهجري أنّها للقادر من الفقهاء العدول في عصر الغيبة.
قال في كتابه المقنعة : أمّا إقامة الحدود فهو إلى سلطان الإسلام المنصوب من قبل الله تعالى ، وهم أئمّة الهدى من آل محمّد عليهمالسلام ، ومَنْ نصّبوه لذلك من الأمراء والحكّام ، وقد فوّضوا النظر فيه إلى فقهاء شيعتهم مع الإمكان ... ولهم أن يقضوا بينهم بالحقّ ، ويصلحوا بين المختلفين في الدعاوى عند عدم البيّنات ، ويفعلوا جميع ما جعل إلى القضاة في الإسلام ؛ لأنّ الأئمّة عليهمالسلام قد فوّضوا إليهم ذلك عند تمكّنهم منه بما ثبت عنهم فيه من الأخبار ، وصحّ به النقل عند أهل المعرفة به من الآثار (١).
__________________
(١) الشيخ المفيد المقنعة / ٨١٠.