العراق تحت إمرة بني مروان
قال عوانة : لمّا صح عند مصعب وصول عبد الملك يريده ، بعث إلى ابن الأشتر فأقدمه عليه وجعله على مقدّمته ، وكاتب عبد الملك وجوه أهل الكوفة والبصرة ورغّبهم في الأموال والأعمال ، وكتب عبد الملك إلى إبراهيم بن الأشتر فجعل له ولاية العراقين ، فأخذ كتابه فدفعه إلى مصعب ، وقال له : إنّ عبد الملك لم يكتب إليّ إلاّ وقد كتب إلى هؤلاء الوجوه بمثله وقد أفسدهم عليك ، فأنا أرى أن تأخذ وجوه أهل المصرين فتشدّهم بالحديد. فقال له : يا أبا النعمان ، أتأخذ الناس بالظنّة؟ قال : فأجمعهم في أبيض المدائن ؛ لئلاّ يشهدوا الحرب معك. قال : إذاً أفسد قلوب عشائرهم. قال : فابعثهم إلى أخيك بمكة. فقال : ليس هذا برأي. قال : فإن لقيت العدو فلا تمدّني بواحد منهم ، واتّهمهم (١).
وقال الهيثم بن عدي : كتب عبد الملك إلى إبراهيم بن الأشتر ـ وهو مع مصعب ـ كتاباً ، فأتى به إلى مصعب قبل أن يقرأه ، فلمّا قرأه مصعب قال له : يا أبا النعمان ، أتدري ما فيه؟ قال : لا. قال : يعرض عليك ما سقت دجلة ، أو ما سقى الفرات ، فإن أبيت جمعهما لك ، وإنّ هذا لما يرغب فيه. فقال إبراهيم : ما كنت لأتقلّد الغدر والخيانة ، وما عبد الملك من أحد بأياس منه منّي ، وما ترك أحداً ممّن معك إلاّ وقد كتب إليه ... وذكر مثل خبر عوانة ، ولم يقبل مصعب برأي إبراهيم فيهم ، وقال له : ووالله ، لو لم أجد إلاّ النمل لقاتلت به أهل الشام.
__________________
(١) أنساب الأشراف ٧ / ٩٠ ، طبعة دار الفكر ـ بيروت.