بالصياح والنحيب حتّى ارتج العسكر بالبكاء منهنّ على مروان.
كان عبد الرحمن بن حبيب بن مسلمة الفهري عامل إفريقية لمروان ، فلمّا حدثت الحادثة هرب عبد الله والعاص ابنا الوليد بن يزيد بن عبد الملك إليه ، فاعتصما به ، فخاف على نفسه منهما ، ورأى ميل الناس إليهما فقتلهما.
وكان عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك يريد أن يقصده ويلتجئ إليه ، فلمّا علم ما جرى لابني الوليد بن يزيد خاف منه ، فقطع المجاز بين إفريقية والأندلس ، وركب البحر حتّى حصل بالأندلس ، فالأمراء الذين ولوها كانوا من ولده. ثمّ زال أمرهم ودولتهم على أيدي بني هاشم أيضاً ، وهم بنو حمود الحسنيّون ، من ولد إدريس بن الحسن عليهالسلام.
ولمّا أتى أبو العباس برأس مروان ، سجد فأطال ، ثمّ رفع رأسه ، وقال : الحمد لله الذي لم يبقِ ثأرنا قبلك وقبل رهطك ، الحمد لله الذي أظفرنا بك ، وأظهرنا عليك. ما أبالي متى طرقني الموت ، وقد قتلت بالحسين عليهالسلام ألفاً من بني اُميّة ، وأحرقت شلو هشام بابن عمّي زيد بن علي كما أحرقوا شلوه ، وتمثل (١) :
لو يشربونَ دمي لم يرو شاربهمْ ولا دماؤهم جمعاً ترويني.
ثمّ حوّل وجهه إلى القبلة فسجد ثانية ، ثمّ جلس فتمثل :
أبى قومُنا أن ينصفونا فأنصفت |
|
قواطعُ في أيماننا تقطرُ الدما |
إذا خالطت هامَ الرجالِ تركتها |
|
كبيضِ نعامٍ في الثرى قد تحطّما |
ثمّ قال : أمّا مروان ، فقتلناه بأخي إبراهيم ، وقتلنا سائر بني اُميّة بحسين ، ومَنْ قُتل معه وبعده من بني عمّنا أبي طالب (٢).
وروى المسعودي في كتاب مروج الذهب عن الهيثم بن عدي قال : حدّثني عمرو بن هانئ الطائي قال : خرجت مع عبد الله بن علي لنبش قبور بني اُميّة في أيّام أبي العباس
__________________
(١) مروج الذهب ٣ / ٢٧١ ـ ٢٧٢.