أنّه ولاء لله وللخليفة من قريش ، وأنّ الدين هو كتاب الله وما شرّعه الخليفة القرشي ، ومن هنا عَرَضَ عبد الرحمن بن عوف على علي عليهالسلام أن يبايعه على كتاب الله والعمل بسيرة الشيخين ، ورفض علي عليهالسلام ذلك قائلاً : «إنّ سيرة النبي صلىاللهعليهوآله لا تحتاج إلى إجّيرى أحد» (١) ، وبويع عثمان على ذلك (٢). وهكذا عاش الناس خمساً وعشرين سنة بعد النبي صلىاللهعليهوآله في جاهليّة وضلالة مقنَّعة باسم الإسلام.
خالف عثمان سيرة الشيخين في قضية الولايات حيث آثر أقاربه بها ؛ فقد بدأ عهده باستقدام عمّه الحكم والد مروان ، وكان النبي صلىاللهعليهوآله قد نفاه إلى الطائف ، ثمّ جعل مروان بن الحكم (٣) كاتبه الخاصّ بعد أن زوّجه ابنته ، ثمّ عزل سعد بن أبي وقاص عن الكوفة سنة
__________________
(١) الإجّيرى بالكسر والتشديد : العادة. انظر تاج العروس مادة (أجر).
(٢) قال اليعقوبي في تاريخه ٢ / ١٦٢ : وكان عبد الرحمن بن عوف الزهري لمّا توفي عمر واجتمعوا للشورى سألهم أن يخرج نفسه منها على أن يختار منهم رجلاً ، ففعلوا ذلك ، فأقام ثلاثة أيام ، وخلا بعلي بن أبي طالب عليهالسلام ، فقال : لنا الله عليك إن ولّيت هذا الأمر أن تسير فينا بكتاب الله وسنّة نبيّه وسيرة أبي بكر وعمر. فقال عليهالسلام : «أسير فيكم بكتاب الله وسنّة نبيّه ما استطعت». فخلا بعثمان فقال له : لنا الله عليك إن ولّيت هذا الأمر أن تسير فينا بكتاب الله وسنّة نبيّه وسيرة أبي بكر وعمر. فقال : لكم أن أسير فيكم بكتاب الله وسنّة نبيّه وسيرة أبي بكر وعمر. ثمّ خلا بعلي عليهالسلام فقال له مثل مقالته الأولى ، فأجابه مثل الجواب الأوّل ، ثمّ خلا بعثمان فقال له مثل المقالة الأولى ، فأجابه مثل ما كان أجابه ، ثمّ خلا بعلي عليهالسلام فقال له مثل المقالة الأولى ، فقال : «إنّ كتاب الله وسنّة نبيّه لا يحتاج معهما إلى إجّيرى أحد ، أنت مجتهد أن تزوي هذا الأمر عنّي». فخلا بعثمان فأعاد عليه القول ، فأجابه بذلك الجواب ، وصفّق على يده.
(٣) قال ابن حجر : مروان بن الحكم بن أبي العاص بن اُميّة بن عبد شمس ، وهو ابن عمّ عثمان وكاتبه في خلافته ، يُقال : ولد بعد الهجرة بسنتين ، وقيل : بأربع. وقال ابن شاهين : مات النبي صلىاللهعليهوآله وهو ابن ثمان سنين ، فيكون مولده بعد الهجرة بسنتين. وكان مع أبيه بالطائف إلى أن أذن عثمان للحكم في الرجوع إلى المدينة فرجع مع أبيه ، ثمّ كان من أسباب قتل عثمان ، ثمّ شهد الجمل مع عائشة ، ثمّ صفين مع معاوية ، ثمّ ولي إمرة المدينة لمعاوية ، ثمّ لم يزل بها إلى أن أخرجهم ابن الزبير في أوائل إمرة يزيد بن معاوية ، فكان ذلك من أسباب وقعة الحرّة. وبقي بالشام إلى أن مات معاوية بن يزيد بن معاوية فبايعه بعض أهل الشام في قصّة طويلة. ثمّ كانت الوقعة بينه وبين الضحاك بن قيس ، وكان أميراً لابن الزبير ، فانتصر مروان وقتل الضحاك ، واستوثق له ملك الشام ، ثمّ توجّه إلى مصر فاستولى عليها ،