نعم ، كانت ثمّة احتجاجات تنبعث من هنا تارة ومن هناك أخرى ، تدلّ على أنّ المجتمع يتململ تحت وطأة الاضطهاد والظلم ، كتلك التي عبّر عنها موقف حجر بن عدي ، وعمرو بن الحمق الخزاعي وأضرابهما (١) ، ولكنّها لم تأخذ مداها ، ولم تُعبّر عن نفسها في حركة فعلية عامّة بل كانت سرعان ما تهمد وتموت في مهدها حين كانت السلطة تأخذ طلائع هذه الحركات فيُقتلون دون أن يُحرك المجتمع ساكناً ، وإذا حدث وتحرّك إنسان اشتُري سكوته بالمال (٢).
* * *
ومُنذ بدأ الحكّام المسلمون يناوئون الننزعة الإنسانيّة في الإسلام ، ليحوّلوه إلى مؤسسة تخدم مآرب فئة خاصة ، بدأ علي وأبناؤه عليهمالسلام وأصحابهم يدافعون عن الإسلام ، ويردّون عنه شرّ مَنْ يريد تحريفه وتزويره.
كان هذا هو عمل علي عليهالسلام طيلة حياته ، حتّى إذا استشهد خلفه في الصراع ابنه الحسن ، وقضت عليه ظروف المجتمع الإسلامي ؛ الاجتماعيّة والنفسية أن يُهيئ هذا المجتمع للثورة على الحكم الأموي حتّى استشهد.
وبقي الحسين وحيداً.
وقد عاصر الحركة التي بدأها أعداء الإسلام ، الدخلاء فيه ، والمستورون والحاقدون ، وطلاّب المنافع العاجلة في حربهم ضدّ الإسلام وضدّ مبادئه الإنسانيّة. عاصر هذه الحركة منذ نشوئها ؛ عاصرها حيناً مع أبيه وأخيه عليهماالسلام ، والصفوة من الأصحاب ، وعاصرها حيناً آخر مع أخيه ، وبقية السيف الاُموي من الأصحاب ، وها هو ذا الآن يقف وحيداً في ساحة الصراع ، إنّه يقف وحيداً ضدّ معاوية وجهاز حكمه
__________________
(١) ابن الأثير : الكامل ٣ / ٢٣٣ ـ ٢٤٣ وغيره.
(٢) كما حدث من مالك بن هبيرة السكوني الذي بدا وكأنّه سيثور بسبب قتل حجر وأصحابه ؛ فقد أرسل إليه معاوية مئة ألف درهم «فأخذها وطابت نفسه» الكامل ٣ ـ ٢٤٢.