ـ ١ ـ
أ ـ الوضع النفسي والاجتماعي
لقد كانت حروب الجمل وصفّين والنهروان ، والحروب الخاطفة التي نشبت بين القطع السورية وبين مراكز الحدود في العراق والحجاز واليمن بعد التحكيم قد ولّدت عند أصحاب الإمام عليهالسلام حنيناً إلى السلم والموادعة ؛ فقد مرّت عليهم خمس سنين وهم لا يضعون سلاحهم من حرب إلاّ ليشهروه في حرب أخرى ، وكانوا لا يحاربون جماعات غريبة عنهم ، وإنّما يحاربون عشائرهم وإخوانهم بالأمس ، ومَنْ عرفهم وعرفوه ....
وما نشكّ في أنّ هذا الشعور الذي بدأ يظهر بوضوح في آخر عهد علي عليهالسلام إثر إحساسهم بالهزيمة أمام مراوغة خصمهم في يوم التحكيم ، أفاد خصوم الإمام عليهالسلام من زعماء القبائل ومن إليهم ممّن اكتشفوا أنّ السياسة لا يمكن أن تُلبّي مطامحهم التي تُؤججها سياسة معاوية في المال والولايات فحاولوا إذكاء هذا الشعور والتأكيد عليه ، وقد ساعد على تأثير هؤلاء الزعماء ونفوذهم في أوساط المجتمع الرّوح القبلية التي استفحلت في عهد عثمان بعد أن اُطلقت من عقالها بعد وفاة النبي صلىاللهعليهوآله ؛ فإنّ الإنسان ذا الرّوح القبلية عالمة قبيلته ، فهو ينفعل بانفعالاتها ، ويطمح إلى ما تطمح إليه ، ويُعادي مَنْ تُعادي ، وينظر إلى الأمور من الزاوية التي تنظر منها القبيلة ؛ وذلك لأنّه يخضع للقيم القبلية التي تخضع لها القبيلة ، وتتركّز مشاعر القبيلة كلّها في رئيسها ، فالرئيس في المجتمع القبلي هو المُهيمن ، والموجّه للقبيلة كلّها.