إلى غير ذلك ممّا تعرضه قصّة هذه الثورة من أنبل ما في الإنسان في الفكر والقول والعمل لدى الثائرين ، وأحطّ ما فيه من غرائز لدى الحاكمين وأعوانهم ، وما نتج من تقابل هذه النماذج المتضادة من المثل ، والمبادئ ، والعواطف ، من مأساة دامية لا تزال تثير الأسى في قلب كلّ مَنْ سمعها أو قرأها.
وقد بلغ من قوّة تأثير الجانب القصصي المأساوي من هذه الثورة ، بما له من دلالات مثيرة ، أنّه فرض نفسه على معظم مَنْ كتب عنها ـ إن لم يكن كلّهم ـ فقصروا دراساتهم على هذا الجانب دون غيره.
ولكنّ الجانب القصصي ـ على ما له من مزايا تربوية وتوجيهية ـ ليس كلّ ثورة الحسين عليهالسلام ؛ فإنّ أحداث هذه الثورة ، وكلّ ثورة ، ليست معلّقة في الفراغ ، وإنّما هي الجزاء الظاهر من عملية تأريخيّة واسعة النطاق. فلكلّ ثورة جذور في نظام ومؤسسات المجتمع الذي اندلعت فيه ، ولكلّ ثورة ظروف سياسية واجتماعية معينة ، ولكلّ ثورة ـ وإن كانت فاشلة عسكرياً ـ آثار ونتائج.
ولا يمكن أن تُفهم الثورة على وجهها ما لم تُدرس من جميع جوانبها : مقدّماتها ونتائجها.
وهو ما هدفت إليه في هذا الكتاب.
فقد حاولت فيه أن اُحلّل ثورة الحسين عليهالسلام بدراسة ظروفها التي أحاطت بها ، والملابسات التي أدّت إليها ، والآثار التي نجمت عنها في الحياة الإسلاميّة.
وهو حلقة من سلسلة كتب آمل أن يوفّقني الله لإنجازها عن الثورات في التأريخ الإسلامي.
* * *